ليكن رمضان أسلوب حياة، والعيد مفهوم قيم ومحبة وتسامح
سعيد بن خميس الهنداسي
تمر علينا السنة الهجرية سريعًا، ربما لا نحس بها متى تبدأ وتنتهي مع أنها تتكون من (٣٥٤) يومًا بفارق (١١) يوم عن السنة الميلادية فقط، وعدد أشهرها (١٢) شهرًا كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ “}-( التوبة:٣٦ ). والشهور الهجرية الإثنى عشر هي: محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادي الأول، جمادي الآخر، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، وذي الحجة، والأشهر الأربعة المحرمة هي شهر رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، وشهر محرم.
لكن الأكيد أن شهر رمضان المبارك يعتبر أشهر شهور السنة الهجرية والميلادية، والكل يتابعه حتى قبل أن يصل بأيام ويحسب حسابه ويحسب كل لحظاته ويكاد لا يفوت منه شي، يستقبله المسلمون بالتوبة والطاعة والتقرب إلى الله بأعمال الخير، فهو موسم للغفران ومحطة للبر والإحسان وسبيل إلى الرضوان، لمن حافظ على شعائره من صلاة تراويح وصلاة قيام وفطور وسحور وتلاوة القرآن، طمعًا في القبول من الله والعتق من النيران، فيميزونه عن سائر شهور السنة الهجرية بالعبادة، كما أن للشهر الفضيل مكانة خاصة في تراث المسلمين وتاريخهم وعاداتهم وعقيدتهم وفيه ليلة القدر، وهي كما وصفها الله عز وجل خير من ألف شهر، فعلينا أن نشكر الله على أن منَّ علينا بإتمام صيامه ونحن بأحسن حال.
فهنيئًا لمن كان من الأقوام الذين فازوا وكان نهارهم طاعة وصيام، وليلهم تهجدًا وقيام، وهنيئًا لمن عرف حدود هذا الشهر واستغله كما يجب، وقد تخلف وخاب من خسر بركاته وتجلياته.
اليوم والجميع يودع أيامه ولياليه، نقول لا تودعوه بل اصطحبوه إلى باقي عامكم، رمضان ليس شهر بل أسلوب حياة وبداية للتغير، لا تودعوه بل افسحوا له المجال ليحيا معكم وتحيوا به طوال العام، فالصوم لا ينتهي بصيام آخر يوم من رمضان، والقرآن لا يهجر بانتهاء شهر رمضان، لا تحزنوا على وداعه بل احمدوا الله أن بلغكم اياه، وافرحوا وكبروا الله أن هداكم لصيامه وقيامه.
واليوم والجميع يودع شهر رمضان لنستقبل يوم عظيم عند الله تعالى، ألا وهو يوم عيد الفطر السعيد يوم الجائزة، فصلاة العيد يقصد بها الشُكر لله تعالى على التمكين من إتمام عبادة الصيام، وقد سُمِي عيداً لأنّه يعود على المسلمين بالفرح والسرور، ولأنّ الله تعالى يعود بالإحسان على عباده بالفِطْر بعد الصيام وأداء زكاة الفطر بعد التمام، ويستشعر المؤمنون فيه بأنهم أدوا العبادات وفازوا برضى الله تعالى، فلذة العيد تأتي بعد التعب والمشقة التي تتركها العبادة في النفس، ممّا يعزّز من سمو الروح ويجعل للعيد معنىً أكبر وأعمق، ففيه يرتدي الناس أجمل الثياب، ويجتهدون في إظهار طريقةٍ التعبير عن فرحهم، سواء كانوا كبارًا أم صغارًا، فتقام في العيد الكثير من الطقوس الاحتفالية الرائعة والتي تبدأ استعداداتها قبل قدومه بايام، من خلال التحضير بشراء الملابس، وشراء الذبيحة ومستلزمات الشواء وغيره، وتجهيز بعض المأكولات الشعبية والحلويات، بالإضافة إلى تحضير الهدايا والعيديّات التي ستُقدّم للصغار وللأمهات والآباء والأقرباء، فالعيد فرصة رائعة لصلة الرحم، وزيادة الترابط الأسري، واجتماع العائلة الكبيرة، وفرصة رائعة للخروج في نزهاتٍ لكسر الروتين وتعميق معاني الحبّ.
وفي العيد تتجلى جميع معاني الإنسانية والعطاء بما يُغدق الآخرين من مالهم للفقراء، فيشيع الفرح في قلوبهم ويشترون به حاجاتهم التي تنقصهم، وتسمو مشاعر الرحمة والإخاء في النفوس، كما أن للعيد أبعاد كثيرةً، منها نفسية، ودينيّة واقتصاديّة، فمن أبعاده النفسية الجميلة أنّ الهموم والأحزان يتمّ نسيانها، كما يتجاوز الناس جميع ما يعكّر صفو حياتهم فيه وينسونه، أمّا أبعاده الدينيّة ففي إظهار الفرح في العيد أجر وثوابٌ عظيمٌ من الله تعالى، أمّا أبعاده الاقتصادية فتتمثل بما يقدّمه المقتدرون للمحتاجين.
وكي يحتفظ العيد بكامل فرحته وزهوته يجب وضع الخلافات الأسرية او التي تكون بين الجيران والأقارب والأصدقاء على رف النسيان، فلا بد من السلام على الجميع ومسامحة المسيئين، ونبذ الحقد والكراهية، فالعيد لا يكون إلا بالحبّ ولا يكتمل إلا بصفاء النفوس، فالعيد يقرب البعيد ويُدني القريب ويسعد الأهل والأحباب، فكم هي مقدسة تلك الطقوس والعادات التي تزرع في الناس قيم المحبة والتسامح، فسبحان الحكيم الذي جعل للناس أعيادًا يعظمون شعائرها، ويحيون قيمها، ويدركون الحكمة منها، وكل عام وأنتم بخير.