الطيور المهاجرة
د. رضية بنت سليمان الحبسية
عبارة “الطيور المهاجرة”، ليست علامة تجارية لمنتج ما، بل اسم يمكن أن يُطلق على مجموعة افتراضية تضم أعضاء من شتى أقطار العالم، تُبثُّ من خلالِها أفكارٌ دخيلة، تستهدف الشبيبة، مخترقة للحدود الجغرافية، غايتها زعزعة الفكر الديني، وخلخلة المنظومة القيمية، واختراق الأعراف والتقاليد، فتنشأ أجيالٌ بلا مرجعية دينية، أو انتماءات وطنية.
وتتمثل خطورة تلك المجموعات في انعكاساتها السلبية على مستوى الفرد والمجتمع معًا؛ مما يُحتم ضرورة التّنبه بها، والعمل على دحضِها بذات الوسائل قوةً ومضادة قيميًّا “فالمسؤولية مشتركة”، كما يُنادي بها الكثيرون، ولكن تبقى أهمية ترجمتها إلى واقع ملموس وممارسة فاعلة مطلبًا جماعيا؛ نظرًا لتأثيرات التيارات العابرة للقارات التي قد غدت واضحة للعيان.
ولعلّ ما خلّفته جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) من آثار جسيمة على فلذات أكبادنا لم تقتصر على الفاقد التعليمي فحسب، إنما كان لها من النتائج التي لا يمكن تجاهلها، والتي ظهرت جليّا في صورة اختلال سلوكي، اضطراب نفسي، أو خواء فكري. الأمر الذي يفرض على كافة القطاعات المعنية بالجانب التربوي والتعليمي إيلاء هذه القضية أهمية بالغة من خلال سياقاتها، برامجها، وموازناتها المالية التي تدعم تنفيذ خططها ومشاريعها التوعوية، ومن بين تلك الإجراءات:
– تمكين العاملين المتعاملين مع قضايا الأطفال والشباب من أدوات وتقنيات عصرية تُسهم في غرس القيم الروحية والوجدانية والأخلاقية، التي تشكل الشخصية المتكاملة لدى الفرد: دينيًا، تربويًا، ثقافيًا، اجتماعيًا، نفسيًا، وصحيا.
– تكثيف البرامج والأنشطة التوعوية الهادفة إلى تنشئة اجتماعية سويّة تمّكن الأطفال والمراهقين والشباب من مقاومة تأثير العولمة والعالمية في تكوينهم وكيانهم الفكري والخُلقي، والمحافظة على الهويّة الوطنية من خلال خطط استراتيجية طويلة الأمد متوائمة مع خطط التنمية الشاملة.
– تركيز الجهود التوعوية على المستحدثات التربوية والتقنية المعاصرة، كتلك التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، كالاستخدام الآمن للشبكة المعلوماتية، وامتلاك مهارات المحاكمة العقلية لكل ما هو جديد أو دخيل على المجتمع؛ لتنشئة جيل مُتمكّن من تقييم المعرفة ونقدها.
– توجيه البرامج التعليمية والمقررات الدراسية نحو تنشئة أجيال المستقبل على مرتكزات الهوية وموروثاتها والحضارة العمانية، وإيجاد التوازن بينهما، والتطورات التقنية المتجددة، وتوظيف استخدام التقنية بطريقة إيجابية مُسانِدة لبناء المجتمع وتقدمه.
– تناول القضايا المعاصرة بالدراسة والتحليل خاصة تلك التي تهدد الأمن والاستقرار الأُسري والوطني والقومي، أو تزعزع الثوابت الدينية والقيمية، أو تفكك الروابط الأُسرية والمجتمعية على حدّ سواء، ومحاولة التوصل إلى حلول ومقترحات ناجعة؛ لسدّ الثغرات بين الواقع والمأمول.
ختامًا، إنّ التطور المتسارع في عالم المعرفة والتكنولوجيا واقع لا بدّ من مواكبته بما ينعكس إيجابًا على نسيج المجتمع وروابطه، ويحافظ على مكونات الوطن ومكتسباته؛ وذلك من خلال اكتساب مهارات المستقبل اللازمة للتكيّف الإيجابي في التعامل مع متغيرات العصر الرقمي والتقني، ويمثل دور الأنظمة التربوية والتعليمية كافة، كالأسرة، المدرسة، المؤسسات الدينية، والأندية، ووسائل الإعلام، دورًا جوهريًّا حاسمًا في اعتماد استراتيجية وطنية شاملة وتنفيذها؛ لتنشئة أجيال ومخرجات ملتزمة بثوابتها الدينية، واعية ومدركة لمسؤولياتها، معتزة بهويتها وموروثاتها، ومحافظة على سماتها الثقافية.