٥) نزهة الحروف…
خلفان بن ناصر الرواحي
حرف (هـ):
إنّ حرف (هـ) نجده متصدرا أكثر أسماء الإشارة؛ حيث إنها تنقسم من حيث الإشارة لما هو قريب ولما هو بعيد، فللقريب، نحو: هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء.
وللبعيد، نحو: ذلك وتلك وأولئك.
وهناك أيضًا أسماء إشارة خاصة بالمكان، نحو: هنا وهناك.
وهنا نتساءل، لماذا تناسى بعضنا أهمية هذه الإشارات في حياتنا المعاصرة؟! وكيف أصبح بعض الأشخاص يخلطون الأمور بين المذكر والمؤنث والمفرد والجمع والقريب والبعيد؟!
لذلك، أردنا في هذا الإسهاب توضيح أهمية حرف(هـ)، وهيبة مكانته في تلك الإشارات اللغوية للتمييز حسب السياق اللغوي؛ وذلك يبعث اهتماما خاصا بلغتنا العربية الأصيلة وتأدبا عند المخاطبة في حياتنا الاجتماعية؛ لكي تجنبنا أيضا الانتقاد ونحن أمة الفصاحة والبلاغة والبيان.
بإلإضافة لذلك، لو تمعنا في دلالات حرف (هـ) في اسم الإشارة (هذا)، وأخذنا في الاعتبار بالرأي الآخر الذي يرى أن حرف الهاء للتنبيه واسم الإشارة (ذا)؛ فإن (هـ) هي للتنبيه و(ذا) اسم إشارة، فنلاحظ كأن الهاء في بدايات أسماء الإشارة أعطت تنبيها وجذبا للمستمع ليحسن الالتفات لما هو آت بعدها.
ولو أبحرنا أكثر في دلالات الكلمات التي جاءت متناغمة مع الحروف الأخرى عند ربطها مع حرف (هـ)، ونذكر منها على سبيل المثال (هدى – هداية – رهف – هدهد)؛ فهي تذكرنا ببعض الأمور المرتبطة بنهج الحياة الدينية والدنيوية وضرورة التوازن والاعتدال لمنح الحق للنفس ساعة وساعة، وكلمة (هدهد) أيضا تذكرنا بعظمة الخالق العظيم في تسخير المخلوقات لعباده وأنبيائه لتأتيهم بالخبر اليقين من أبعد الحدود، وعدم الاستهانة بأبسط المخلوقات في قدرتها على تحقيق الغايات التي نسعى إليها بقدرة الله وتدبيره.
كما لا يفوتنا أيضا أن نذكر أن حرف (هـ) جاء في كلمة (هلال)؛ وهو مرتبط بالتقويم الهجري وبعض العبادات عندنا نحن المسلمين، وقد يتسمى به بعض الناس أيضا، وهو اسم علم مذكر من أصل عربي، والذي يعني القمر في غير بدوره، وربما يكون استدلالاً لجمال المرء واستهلال الوجه والتجلي.
حرف (و):
ونحن إذ نوشك على ختام هذه النزهة مع الحروف، إذ وصلنا إلى نهاية هذه النزهة في استنباط الكثير من المعاني والكلمات التي نظن أنها قد تلامس مجريات حياتنا اليومية العامة والخاصة والتي لا نحصيها على وجه العموم إلا من بعض الأمثلة لا الحصر، وربما يكون هناك من سبقنا في ذلك، وربما يأتي بعدنا غيرنا ليستنبط ما شاء منها أيضاً وفق قراءاته الخاصة.
إن حرفنا (و) حاله كحال باقي الحروف يتشكل مع باقي الحروف الأخرى ليعطي معاني كثيرة، ونذكر منها أيضاً على سبيل المثال لا الحصر الآتي:
– ود
– وداد
– سمو
– وجدان
فما أحوجنا لمثل تلك الكلمات في حياتنا، وما أروع حرف (و) فيها!
حرف (ي):
حرف (ي) يختم لنا ينابيع الكلمات والمعاني والعبارات المتدفقة من حروف الهجاء، وكأنه يودع من شاركنا هذه النزهات ويذكرنا بمكانته في بعض الكلمات التي لا نستطيع نسيانها في مجريات حياتنا؛ فحرفنا هذا -(ي)- موجود في (يميني، يقيني، أمانينا، أبي، أمي، أقربائي، أولادي، أرحامي، أصدقائي)، والكثير الكثير من الكلمات التي لها تأثير كبير في حياتنا الشخصية والعامة أيضا.
وبهذا الحرف الختامي الجميل-(ي)- نذكر هذه الأبيات الرائعة لأبي العتاهية؛ .والتي جاء فيها:
أيَا بَانِيَ الدُّنْيَا لِغيْرِكَ تََبْتَنِي
ويَا جامِعَ الدُّنيَا لِغَيْرِكَ تَجْمَعُ
أَرَى المرْءَ وثَّابا عَلَى كُلِّ فُرْصَة
وللمَرْءِ يَوْما لاَ مَحَالَة َمَصْرَعُ
تَبَارَكَ مَنْ لاَ يمْلِكُ المُلكَ غَيْرُهُ
مَتَى تَنْقَضِي حَاجَاتُ مَنْ لَيسَ يَشْبَعُ
وهكذا كانت خاتمة هذه النزهات، آملين أن نكون قد وفقنا في تحقيق تلك الغاية لاستنباط ما تيسر من معاني ودلائل في حياتنا الخاصة والعامة.