الحقوق الزوجية في الإسلام (١٥)
د. عبدالحكيم أبوريدة
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،
فلقد تناولنا في مقالات سابقة جانباً من الحقوق المشتركة بين الزوجين، ومن هذه الحقوق أيضاً: ( المباشرة بين الزوجين):
عقد الزواج الشرعي، عقد أباح الله- تعالى- فيه للزوجين أن يستمتع كلّ منهما بالآخر، وذلك لأن هذا الاستمتاع أمر تدعو إليه الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية، فعلى الزوج والزوجة أن يجيب كلُّ منهما داعي الفطرة، ولا يمتنع من صاحبه ما لم يكن هناك مانع من الإجابة كالحيض والنفاس أو المرض أو ما يشبه ذلك.
وقد اتفق الفقهاء على أن جِماع الزوج لزوجته واجب عليه ديانة، أي: فيما بينه وبين الله – تعالى- وأنه يلزمه شرعاً أن يعفّ زوجته ويبعدها عن الوقوع فيما نهى الله- تعالى- عنه.
وصدق الله إذ يقول:
( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَاء )آل عمران من الآية (١٤)
وقوله -تعالى- ( زيّن ) من التزيين بمعنى التحسين والتجميل والمحبة، والشهوات: جمع شهوة ومعناها: ثوران النفس وميلها نحو الشيء المشتهى.
والمعنى: زين الله- تعالى- للرجال محبة النساء، لأن هذه المحبة بينهما أمر فطري في الطبيعة الإنسانية.
وإن بعض الرجال قد يستهين بكل شيء في سبيل المرأة التي يهواها ويشتهيها.
واكتفى القرآن الكريم بذكر اشتهاء الرجل للمرأة مع أن المرأة كذلك تحب الرجل بفطرتها، لأن ذكر اشتهاء أحدهما للآخر يغني عن ذكر الطرفين معاً، وما يستفاد بالإشارة يستغنى فيه عن العبارة، خصوصاً في هذا المجال الذي يحرص فيه القرآن الكريم على تربية الحياء والأدب في النفوس، ولأن المرأة في هذا الباب يهمها أن تكون مطلوبة لا طالبة، حتى لو كانت محبتها للرجل أشد، فإنها تحاول أن تثير فيه ما يجعله هو الذي يطلبها لا هي التي تطلبه.
وقد أجمع الفقهاء على أن الزوج إذا امتنع عن مباشرة زوجته وجماعها، فإن للزوجة أن ترفع أمرها إلى القضاء ليقضي بينهما بالفراق.
وكما أن شريعة الإسلام تحضّ الزوج على أدآء واجبه نحو زوجته، فإنها في الوقت نفسه تأمر الزوجة بالاستجابة لمطالب زوجها، وقد وردت أحاديث كثيرة تحضّ المرأة على أداء حق زوجها.
ومنها ما جاء في الصحيحين أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيءإليه، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
وقد بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم- أن الزوجين، عندما يستمتعان بنيّة الإحصان والاستغناء عن الحرام بالحلال فلهما الأجر، فقال:- صلى الله عليه وسلم- ( وفي بضع أحدكم صدقة- أي: وفي مجامعة أحدكم لزوجته صدقة- فقال بعض الصحابة : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى. قال: فكذلك لو وضعها في الحلال كان له فيها أجر).
يتبع ……
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.