« نحن أبناء التجربة»
طه جمعه الشرنوبي – مصر
طيلة سنوات كنت أقرأ كتب التنمية البشرية، ولا أريد أن أقف عند رأيي الشخصي الذي طالما لا يُمثل الكثير، ولا حتى القليل لأحد، ولكن هو رأيي أتحمله وأتحمل تبعاته.
وفي رأيي هذا ما يسمى بالتنمية البشرية هي أكبر كذبة عرفها المجتمع، ككذبة البراندات أو الماركة.
أقول بملء فمي: «نحن أبناء التجربة»، والمجتمع يتعامل معنا بالمنطق نفسه، والحكومات تتعامل مع شعوبها بالمنطق نفسه ولا زالوا، وعلى وجه الدقة نحن أبناء الدول النامية.
يتم تجريب اللقاحات علينا كالفئران، يتم تجريب أثر كل قرار قبل أن يتم تفعيله وتطبيقه من خلال زوبعة إعلامية يسوّقها أصحابها.
فلما لا نأخذ به ونترك عقولنا لباعة الوهم على الأرصفة؟!
ما أقصد قوله من ذلك أننا أبناء التجربة التي تسوقنا أحياناً إلى مكسب وخسارة، ننهار ونقف، نبني ونهدم، وهذا كفيل لتعليمنا إذا كُنا نرغب في التعلّم، في التغيير، إذا كنا نريد أن ننجح، أو إذا كنا نُريد البقاء على حالتنا دون تحوّل جذريّ ومُطلَق.
أما صناعة الوهم ووضعه في قوالب مُعلّبة لا يُغيّر من كونه وَهمًا، لا يُغيّر من كونه شيئا هُلاميا وغير حقيقي.
التجربة فقط هي من تصنع إنساناً قويًا قادراً على التحدي، وعلى إثبات الذات، على تشكيل صورة غير نمطية أو نمطية، الأهم فيها هي القدرة على تشكيلها، لا يحتاج الإنسان سوى الإيمان بنفسه.
مُعظم مؤلفي كتب «التنمية البشرية» يجلسون في مكاتبهم يُدخنون الغليون على الأرجح، يتبنون نظريات أو ينحتون، ويرسمون مستقبل الآخرين، ويضعون لهم قواعد هي في حقيقتها تتنافى مع الواقع.
في مجتمعنا من أبناء الطبقة العاملة المتوسطة، والذي يعمل لأكثر من ثلاثة أرباع اليوم كادحاً مُترباً من أجل توفير قوت يوم، أو من أجل توفير مصروفات مدرسية أو غيرها، يستطيع الأخذ بعبارات رنانة فكّر فيها صاحبها في المرحاض، وكتبها وهو ينفث الغليون في وجه قارئها، ولسان حاله يقول: “حياتك زيّ الدُّخان ده بس جرب تعمل اللي بقولك عليه”
كان لي زميل من سنوات في الدراسات العُليا كان يصنع الوهم، يحفظ بعض العبارات الجيّاشة التي تحمل في باطنها التفاؤل وفي واقعها سقوطا مدوّيا، ككوب زجاجي؛ “لأنها تفتقر إلى الواقعية”، يجلس في قاعة المناقشة ينتظر أن يُعطيه أحد معلومة أو يُمنّ عليه بإجابةٍ لسؤالٍ وُجّه له، يفتح مركزاً للتنمية البشرية منذ تخرجه من الجامعة وأغلقه مؤخراً، الآن كل ما كان يقوله ويردده فشل في العمل به، فشل في تحقيقه، ومؤخراً اعترف بأنها أكبر كذبة تم خداعه بها، وأنه حاول الاستفادة منها كعمل تجاري فيما بعد، ولكنه فشل في ذلك أيضاً.
لا أحب التقليل من أفكار الآخرين أو توجهاتهم، ولكننا هُنا على الأرض، لدينا واقع نعيشه ونتعامل معه، أصعب مهمة هي أن يغيّر الإنسان نفسه، لكنه يستطيع ذلك إذا آمن بها.
سهل خداعنا لأننا نود أن نؤمن، نود أن نؤمن بمقولات في اعتقادنا أنها غيرت مسار حياة الآخرين، في حالة إذا نسبنا أي مقولة إلى شخص ما أسس لنظرية علمية أو لرجل دين مشهور.
كما أنه يسهل خداعنا إذا اعتقدنا أن ما يصلح لنا يصلح لغيرنا والعكس، في النهاية كاتب هذه المقولات إذا صحّت فهو كتبها نتيجة تجربة حياته التي عاشها بملء إرادته، حياته، في زمانه، في مكانه، في ظروفه، وليست حياتك أنت، ولا زمانك، ولا مكانك، ولا ظروفك.
استمتع بحياتك كما تُحب أن تحياها، وليس كما عاشها غيرك، حياتك هي تجربتك التي تمنحها لنفسها.