2024
Adsense
مقالات صحفية

المجتمع بين الوعي والتضليل

حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة

في علم الاجتماع يُعرف المجتمع بأنّه نسيج اجتماعي من صُنع الإنسان، ويتكوّن من مجموعة من النّظم والقوانين التي تُحدّد المعايير الاجتماعية التي تترتّب على أفراد هذا المجتمع، بالإضافة إلى ذلك يَعتمد المجتمع على أفراده ليبقى متماسكاً، فمن دون الأفراد تنهار المجتمعات وتنعدم، ويتأثر الفرد بالمجتمع كما يتأثّر المجتمع بالفرد.

ومن الأمثلة على تأثر المجتمع بالفرد حينما تنتشر الإشاعات يتداولها الأفراد، وتصبح في نظرهم حقيقة، ويبدأ الناس ينشرون ويتداولون تلك الإشاعات على أنها واقع، منهم من يستاء ومنهم من ينتظر الفائدة، كتطبيق نظام وسن قوانين، أو ارتفاع الأسعار أو مراسيم ستصدر.

ما ينشره الفرد بالقول أو التلميح عبر حسابات التواصل الاجتماعي، أو تناقل تلك الأخبار المضللة بين المجموعات بين البشر، وإن كانت بدايتها بكلمات معدودة، لكنها تتعرض للتحريف أيضا سواء بالزيادة أو النقصان.

مع اختلاف الثقافات والمستويات التعليمية وحتى الفئات العمرية، تنتقل تلك الإشاعات كل حسب اهتمامه وأهوائه، ومن هنا تبدأ الاختلافات والخلافات، فعلى سبيل المثال في المؤسسة الواحدة التي تجمع عددا من الزملاء تشتد فيها هذه الخلافات، والسبب هو الإشاعة وترجمة العقل للأفعال وردود تلك للأفعال، وتبدأ الانقسامات بين مؤيد ومعارض، منهم من يصدق بسرعة، ومنهم من يأخذ الأمر على محمل الجد، ومنهم من لا يعنيه الأمر، ويؤثر ذلك في مردود العمل والإنتاج.

بعضنا يحكم على ما تراه عيناه، ويبدأ بالتعاطي مع الأحداث بحسب ما يراه، ويعتقد أن الحقيقة كاملة هي ما يتصور في ذهنه، وفي حقيقة الأمر تترتب على ذلك أبعاد كثيرة، فلا تحكم على ما ترى، فتلك نصف الحقيقة والحقيقة الكاملة في تفاصيل لا زالت مخفية، ولا تتسرع في الحكم على ما رأيت.

الاهتمام الزائد يولد سوء الظن أحيانا، فلو تجاهلت قليلا سوف تسلم من الدخول في مهاترات أنت في غنى عنها، وبالتجاهل تسلم من الضغوطات النفسية التي تتولد عنها الأحقاد.

يقوم بعض الناس بالتحريض على أمر ما عن قصد؛ لكي تشتعل شرارة الفتنة، ونحتاج في مثل هذه الحالات إلى تحكيم العقل والمنطق، وسؤال نطرحه على أنفسنا: ما الفائدة المحصلة؟

بالطبع، لن نجد لمثل ذلك أي فائدة، بل بالعكس سيترتب على ذلك شحن أنفسنا بالحقد والبغضاء، وسينتج عنه ضعف التعاون بين الجميع، وعدم الثقة بالآخرين، وسوء الظن.

تضليل الحقائق قد يكون عن قصد وتدبير لمصالح شخصية، وقد يكون عن دون قصد، وهو التسرع في الحكم، ونقل كل ما نسمع، وتحريف الحقيقة، وترتبط بعدة عوامل تتحكم ببعضها حواس الإنسان، كالسمع والنظر وطريقة إيصال المعلومة بشكل مغلوط، وهي قدرات تتفاوت بين البشر، بعضها الآخر يتعلق بأخلاق الشخص الذي يتعمد تحريف تلك الحقائق لمصلحة أو هدف ما؛ وهنا يتم استغلال المواقف.

ويبقى المجتمع رهن تلك الإشاعات والأخبار المضللة، هنا يتأثر الإنسان بالعوامل المحيطة من حوله، ويصل إلى الامتعاض والتذمر من كل شيء، ودائما ما نسمع عبارات يرددها الأغلبية: (النتائج معروفة، لا ترهق نفسك بلا فائدة، الجميع فاسدون) وغيرها من العبارات السلبية الهدامة للمجتمع والبلاد.

يجب علينا أن نحسن الظن، وألّا نتسرع وألّا ننقل كل ما نسمع، ولو كنا على يقين من صحة ما ننقل، فلنعطِ ولو نسبة قليلة عدم صحة تلك الأخبار، ولنأخذ الأخبار من مصدرها لا من (كلام الناس)؛ لكي لا نقع في دائرة الشك والظن السيِّئ بالآخرين.

والتضليل هو العبث بمحتوى اتصالي وتوجيهه بشكل ممنهج؛ لخدمة أهداف تنحرف عن المصلحة العامة إلى أخرى ضيقة للحصول على نتائج تتعارض مع الحقيقة لترسيخ واقع محدد في ذهن المتلقي.

ويبقى الإنسان هو الأداة التي تتحكم في ذلك بين الوعي والتضليل، وعلى الجهات المعنية الاستجابة السريعة بالبيان والتصريح بالنفي، والتأكيد للحد من التضليل ونشر الإشاعات.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights