الحقوق الزوجية في الإسلام (12)
د. عبد الحكيم أبوريدة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد،
فلقد تناولنا في مقالنا السابق جانبا من الحقوق المشتركة بين الزوجين، وفي السطور التالية سنتعرف على بعض الحقوق والواجبات الأخرى، والتي منها( الشعور بالمسؤولية):
بمعنى أن الزوج عليه مسئولية القوامة والإنفاق، وعلى الزوجة مسئولية بيت الزوجية، وحضانة الأطفال وتربيتهم تربية سليمة.
وإذا كان توزيع المسئوليات بين الزوجين أمرًا ضروريًا لتستقيم حياة المرء، فإن التعاون بينهما ضروري؛ لكمال أداء تلك المسئوليات من ناحية، والمحافظة على مشاعر المودة والرحمة من ناحية أخرى.
وفي الصحيحين عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:[كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها… وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ]. (البخاري: 893 ، مسلم: 1829).
ومن هذة الحقوق أيضًا (الثقة وحسن الظن):
من الأمور التي يجب أن تكون متحققة وعميقة بين الزوجين:(الثقة وحُسن الظن)؛ لأن هذه الثقة متى كانت متبادلة بين الزوجين، أصبحت حياتهما عامرة بالمودة والرحمة، والسعادة والاطمئنان.
والقرآن الكريم قد أمر بحسن الظن ما دام الأمر يقتضي ذلك، ونهى عن سوء الظن دون مبرر أو موجب، فقال- تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). (الحجرات: من الآية ١٢).
ولقد نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن سوء الظن بصفة عامة، وبين الزوجين بصفة خاصة، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال:[ نَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ]. (البخاري: 1801، مسلم: 715).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-[أنَّ أعرابيًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ امرَأتي ولدَت غُلامًا أسوَدَ، وإنِّي أنكرتُهُ- أي شككت في نسبه إليّ- ، فقالَ لَهُ هل لَكَ مِن إبلٍ ؟، قالَ: نعَم، قالَ: ما ألوانُها ؟ قالَ: حُمْرٌ، قالَ: هَل فيها مِن أورَقَ ؟، قالَ: إنَّ فيها لوُرقًا، قالَ: فأنَّى تَرى ذلِكَ جاءَها، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنه عِرقٌ نزعَها- أي: يحتمل أن يكون في أصولها ما هو بهذا اللون- قالَ: فلَعلَّ هذا عِرقٌ نزعَهُ].(العيني: 11/303)
فهذا الحديث الشريف المقصود منه منع هذا الرجل من أن يظن بأهل بيته سوءًا.
بل إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أباح للزوجين لزيادة الثقة والمحبة بينهما، أن يمدح أحدهما الآخر بمناقب ليست فيه.
ففي صحيح مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة- رضي الله عنها- قالت:[ليس الكذَّابُ الذي يُصْلِحُ بينَ النَّاسِ فيقولُ خَيرًا، أو يَنْمِي خَيرًا، قالتْ: ولم أسمَعْهُ يُرَخِّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ مِنَ الكَذِبِ إلَّا في ثلاثٍ: الإصلاحِ بينَ النَّاسِ، وحديثِ الرَّجُلِ امرأتَهُ، وحديثِ المرأةِ زَوْجَها]. (مسلم: 2605).
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.