الإثنين: 31 مارس 2025م - العدد رقم 2506
Adsense
مقالات صحفية

العيد وفرصة التجديد

د. سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي

بعد انقضاء شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وحتى إذا ما تمت المهمة، وتحققت الغاية، جاء يوم الحصاد؛ ألا وهو يوم العيد، الموصوف بالسعيد، يوم البهجة والسرور، يوم الترويح والتنفيس عن الصبر وعن جهد الطاعة، وحصاد الجِد والاجتهاد، يوم تعميم السلام، واستشعار المحبة والوئام، وتكليل الجهود، وقد جعل الله عز وجل العيد عقب الشهر الكريم لضرورة نفسية لها معاني وغايات، فهو يحقق تقارب والتحام نسيج الأمة المتفرقة والقاطعة للأرحام.

إن إظهار السرور لهُوَ شعيرة من شعائر يوم العيد، يوم فرح وسرور، مسموح فيه بالمرح واللعب المباح، وتقديم التهنئة، فيوم العيد هو يوم إعلان المعية والانتماء فرحا وتهليلا وإقبالا وتجمعًا، قال تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡر مِّمَّا يَجۡمَعُونَ)، (سورة يونس، الآية: 58)، وينبغي بهذا اليوم القضاء على عادات تفشت وتوغلت؛ وهي انقطاع الزيارات والمعايدات والنوم يوم العيد طيلة النهار كسلا وتراخيا، وشعورا بعدم الفرحة والشغف بهذا اليوم كما كان معهودا لدى العهود المنصرمة والماضية، فقد كان للعيد معنى وفرحة لدى الكبير قبل الصغير، ولهذا يجب أن نُعِيد للعيد فرحته، وتحقيق غايته ومقصده، وتعويد النفس فيه على الهدف الرباني، وصلة الأرحام وتحقيق المقاصد الربانية، واستشعار الجوانب النفسية الإيجابية كالحب والود والسلام، والمشاركة والمعايدة والزيارة، وإظهار روح التقارب والجوار.

وينبغي بث روح يوم العيد في نفوس الأطفال الصغار والكبار، وتعليمهم المقاصد من الأعياد، والمعنى والمغزى من مشروعيته، وعدم تعويدهم على الكسل والتُخمة ليلة وصبيحة العيد، فبعضهم يفهم الأمور بطريقة خاطئة، وهو أن يوم العيد للنوم والراحة، وها نحن نرى الأمة الآن تنام يوم العيد، وكأنه يوم النوم العالمي، ويحدث ذلك نتيجة للعادات الخاطئة والسلوكيات غير الصحيحة كالأكل بكميات ليست هينة في ساعات متأخرة من الليل، والسهر ليلة العيد قُبيل الفجر والنوم صبيحته، والأصل الاستيقاظ مبكرا لصلاة الفجر، وصلاة العيد، والعيش في اللحظة الراهنة لهذا التوقيت الذي لا يأتي في العام إلا مرتين، فلا نُحرم الأجر، ولا نُمنع هذه اللحظات الجميلة التي تغمرها الملائكة وترفرف فيها سماء وأرضا.

إن تنفيذ المناسك وتحصيل التقوى حتى في يوم العيد غاية لا حدود لها، فالتقوى وفقا لقول الإمام علي كرم الله وجهه: “هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”(سبل الهدى والرشاد للإمام محمد بن يوسف الصالحي: 421)، وقال المولى عز وجل: ” وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّه” (سورة الحج، من الآية: 34)، والسُنة أن يبادر الناس يوم العيد بإظهار عِظم وقيمة هذه الشعيرة، فوفقا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقولته:” الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومِن أظهر ما لها من الشرائع”. فهذا اليوم خاص للمسلمين وبالمسلمين، ويجب عليهم أن يحيوا سنته، ويعظموا قدره وشعيرته، وأن يباهوا العالم أجمع بهذا اليوم، وأن يعلنوا فيه وحدتهم وتجمعهم وتواجدهم، واصطفافهم، وتكافلهم لبعضهم.

وأخيرا فإن يوم العيد يوم يبعث على التجديد والفرحة والسرور، وتغيير نمط الحياة المعتادة، وكسر الروتين والرتابة، فكان العيد للتغيير، وإسعاد النفس البشرية التي يصيبها الفتور والتعب والملل والعمل، والاجتهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل العمل والعبادة، فكان لابد من يوم التكريم والترويح، وتوحيد الصف، فإذا جاء هذا اليوم اغتسل المسلمون وتجملوا وتطهروا وتدهنوا بالطيب والروائح الزكية والنفيسة، وكبروا، ونشروا روح الأمل، وطووا صحيفة الألم، وقدموا المعايدات والتهاني بقولهم: تقبل الله منا ومنكم، وقد ثبت ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم، وأمرنا بذلك نبي الرحمة والهادي البشير صلى الله عليه وسلم.
وكل عام وأنتم بخير.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights