2024
Adsense
مقالات صحفية

بيت الطين لا يخلو من طحين

أحمد بن عبدالله البحري

يبدو لك من الوهلة الأولى بأنه مثل عادي، ولكنه يمثل نظرة عميقة للحياة، وما يجب على المرء أن يفعله لظروف الحياة. وكما يقال بأن الأمثال هي مخزون ثقافي لأي شعب. فالشعب العماني أخذ بعين الاعتبار مسألة الأمن الغذائي منذ قديم الزمن، وهذه الرؤية لم تأتِ من فراغ، إنما من تجارب حياتية عديدة مرّ عليها الشعب العماني من حروب وكوارث طبيعية من أعاصير وجفاف وفيضانات؛ ولذلك رأى هذا الشعب أن تخزين الطحين في البيت هو مفتاح السلامة تحسبا للحوادث. فالغذاء هو شرط أساسي في عناصر الحياة الأساسية الثلاث (الهواء والماء والغذاء).

تفيد التقارير الإخبارية بأن القمح انخفض معدل تصديره بعد الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ يُعد البلدان من أكبر مصدري القمح في العالم، فقد ذكرت محطة “فاكس نيوز” أن روسيا في صدارة مصدري القمح بواقع (37.3) مليون طن. بينما تصدر أوكرانيا (23) مليون طن من القمح إلى دول العالم مع فرضها حظرا لتصدير القمح بعد اندلاع الأزمة.

وحسب التقارير الإخبارية فإن الأزمة ليست في طريق الانتهاء؛ إذ من المحتمل أنها ستطول بعد الإخفاق في جولتين من المفاوضات مع إصرار “الدب الروسي” على احتلال العاصمة “كييف” واستبداله بالحكومة الحالية حكومة موالية له، فوصول الدعم لكييف سيطيل المقاومة التي ربما ستؤخر احتلاها، أو ستنسحب القوات الروسية إلى الوضع ما قبل 24 فبراير/ شباط.

إذا ما دخلنا نحن في عمان بكل ذلك؟ ذكرت منظمة “الفاو” في تقريرها الصادر مؤخرا بأن عشر دول عربية تعتمد على القمح الروسي بشكل أساسي في استيرادها للقمح، وأنه ستضرر من فرض العقوبات على روسيا أو من وقف التصدير. ومن بين الدول العشر هذه سلطنة عمان؛ إذ إنها تستورد (70%) من القمح من جمهورية روسيا وأوكرانيا بواقع (65.4%) من روسيا و(4%) من أوكرانيا، حسب منظمة “الفاو”.

إلى الآن لم يتم فرض عقوبات على استيراد القمح من روسيا، ولا نستبعد أن يتم فرضه، في وقت تصرّ الدول الغربية على تضييق الخناق على روسيا. بينما فرضت أوكرانيا تصدير القمح للخارج في إجراء احترازي في مثل هذه الظروف، ولكن نخشى أن يقل العرض إذا فُرِض حظر على تصدير القمح الروسي، سواء من قِبل روسيا نفسها كإجراء احترازي لنقص التمويل لديها، أو بوصفه ورقة ضغط على دول العالم بما أنها المصدر الأول، أو من قِبل دول الغرب بوصفه وسيلة لإخضاع روسيا. وقد ذكرت صحيفة الخليج أن دول الخليج ستكون الأقل تأثرا من زيادة أسعار القمح؛ إذ إن أسعار النفط المرتفعة حاليا ستغطي تكاليف الزيادة.

أقامت عمان صوامع لتخزين القمح تحسبا لأي نقص أو ارتفاع لأسعار القمح، ولكن مع استمرار الحرب لمدى بعيد، ستضطر عمان إلى استيراد القمح بسعر مرتفع في ظل نقص في الإنتاج المحلي للقمح. فقد أنتجت عمان في موسم 2021 (2649) طن من القمح حسب تقرير وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه، بينما تستورد (750) ألف طن سنويا.

والفجوة بين الإنتاج والاستيراد تصل إلى (0.3%). وتعدُّ هذه النسبة كبيرة جدا، وتدق ناقوس الخطر، خاصة في ظل الأزمات العالمية والإقليمية المتلاحقة. وفي سبيل تقليل هذه الفجوة المتسعة دوما؛ بسبب زيادة عدد السكان، حرصت الحكومة على زيادة الإنتاج من خلال دعمها للمزارعين، وتخصيص مناطق زراعية تختص فقط بزراعة القمح، مثل: منطقة نجد بين ولايتي ثمريت ومقشن في محافظة ظفار. وتحتل الداخلية الصدارة في إنتاج القمح، بينما تحتل عبري كولاية في إنتاج القمح.

أمام عمان حل مؤقت، وهو تنويع مصادر استيراد القمح؛ في حال منع استيراد القمح من روسيا، فأمريكا تعدّ ثاني أكبر مصدر للقمع وجارتها كندا ثالث أكبر مصدر للقمح، وهناك دول أخرى أيضا، مثل: الهند، وإيران، وأوزبكستان، وباكستان. وكلها دولٍ تربطها بعمان علاقة دبلوماسية طيبة، ويعدّ هذا الحال حلا مؤقتا وضروريا. فالاستيراد من دولة واحدة يعدُّ مريحا وسهل التعامل تجاريا، ولكنه مبني على مخاطرة مستقبلية؛ بسبب تقلبات الطبيعة والسياسة. فالأفضل الاعتماد على ثلة من الدول المنتجة للقمح.

أما الخيار بعيد المدى الذي سيكون خيارا صعبا، ويحتاج إلى مجهود كبير من قِبل الدولة كخيار استراتيجي في مسألة الأمن الغذائي، مثلما كان مع لحوم الحمراء والبيضاء والألبان بعد تجارب ناجحة مع شركتي البشائر ومزون، المأمول من هذا الخيار هو الاكتفاء الذاتي أو على الأقل تقليل الفجوة، من خلال زيادة استزراع القمح، ولكن يظل هذا الخيار الأصعب لشح المياه في عمان، وزيادة نسبة الاستهلاك للقمح. وفي الوقت الحالي يتم تعديل جينات نبات القمح بطريقة آمنة في مختبرات عالمية؛ ليتحمل قلة الماء أو ملوحة الماء، ووجود معدات زراعية فاعلة تقلل من عمالة اليد؛ مما يزيد من المردود الاقتصادي. ومع توفر المساحات الصالحة لزراعة القمح، مثل نجد ظفار ومنطقتي الظاهرة والداخلية والشرقية، تبقى الرغبة في تحقيق الأمن الغذائي ليست مستحيلة؛ إنما تحتاج إلى إرادة سياسية من صناع القرار، من خلال خلق شركة حكومية بالشراكة مع القطاع الخاص يتولى إدارتها جهاز الاستثمار. فتستزرع مساحات شاسعة لزراعة القمح من أجل الاكتفاء الذاتي أو التقليل من الفجوة بين الإنتاج والاستيراد. وعمل بحوث مستمرة بالتعاون مع جامعات الحكومة والجامعات الخاصة في تكيف القمح لظروف عمان المناخية والمائية. والاستعانة بأحدث التقنيات الزراعية الحديثة، بدءا من الزراعة إلى الري إلى الحصاد، والاستفادة الاقتصادية من المخلفات في غذاء الحيوانات والسماد.

وختاما، لا أحد يأمن شر حادثات الليالي، ولا غائلات الزمن.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights