متى سأفكر؟
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
التربية من أهم الأشياء وأصعبها التي يواجهها الوالدان مع أبنائهم في الحياة، فهي عملية متراكمة، ولها دور كبير في البناء والازدهار والتقدم للمجتمعات؛ وذلك من خلال بناء أجيال قادرة على التعلم وإبراز مواهبها، وهذا البناء لا يتم إلا من خلال التربية الناجحة لهم، فطريقة التربية التي نتبعها معهم تحدد مسارهم في الحياة، والشخصية التي سيتسمون بها، والدور الذي سيؤدونه في المجتمع، ولكل زمان نعيش فيه طرق تربية مختلفة، ولا بدّ أن نتواكب معها بشرط ألا نحيد عن الأركان والأسس الأساسية لها، فمراعاة الدين والمبادئ والقيم من الأساسيات التي يجب أن نركز عليها في التربية، فالتربية عبارة عن تكوين قالب على هيئة شخصية بشرط أن تكون ناجحة وفاعلة ومؤثرة في المجتمع.
كل وليّ أمر يسعى أن يكون أبناؤه متفوقين دراسياً، وأصحاب خُلق رفيع، ومبدعين ومفكرين، ويتمنى أن يراهم في أعلى المراتب والمناصب، فيبذل قصارى جهده لتوفير كل متطلبات الحياة التي يحتاجونها من تعليم ورفاهية وصحة وغيرها من الاحتياجات، ولكن كيف يمكن لهذا الابن أن يصل لهذه المراتب والمناصب؟
يمكنه الوصول إليها ولدرجات التفوق عندما “يُسمح له بأن يُفكر بنفسه، ولا يفكر عنه أي شخص آخر”. هذه العبارة قالها لي أحد طلبة الصف الثاني عشر بعد ظهور نتائج الفصل الدراسي الأول، وعندما سألته ما السبب؟ قال: أبي لا يسمح لي بأن أفكر بنفسي، فأنا أعتقد بأن عقلي في حالة سُبات دائم، وعقل أبي هو القائم بدور التفكير عني، فقلت له: ولمَ كل هذا؟ قال: بعض المواد لا أريد فيها مدرسا خصوصيا، ولكن أبي يُصرّ عليّ بأن أتلقّى فيها دروساً خصوصية؛ ولهذا فقدت درجاتي، وأعتقد بأن السبب في ذلك هي تلك الدروس.
ربما تكون وجهة نظره غير صائبة، وربما تكون هناك أسبابٌ آخرى جعلته يفقد درجاته في هذه المواد، وأنا هنا لست للحديث عن الدروس الخصوصية، فقط طرحت هذه القصة كمثال لنا جميعاً، ومربط الفرس في هذه القصة هو: هل بوصفنا أولياء أمور نسمح لأبنائنا بالتفكير؟
ربما يكون تصرف الأب في القصة التي ذكرتها من باب الحب والحرص على تفوق ابنه دراسياً، ولكن الحب والحرص الزائد قد يؤدي لنتائج غير متوقعة.
الكثير من الآباء يسعون إلى تدمير أبنائهم، وقتل الإبداع في نفوسهم؛ وذلك عندما يرفضون أو لا يسمحون أو يحاولون فرض رأيهم لبعض الأفكار التي يطرحها الأبناء، ويخططون لها، كل هذا وهم لا يشعرون ولا يدركون أنهم قد ارتكبوا جرمًا بذلك؛ وعليه يجب علينا كوننا أولياء أمور أن نسمح لأبنائنا بالتفكير دائماً، بل يجب أن نطرح عليهم مساحات كثيرة ومتنوعة يفكرون من خلالها، ويتخذون القرار فيها، وهذه العملية تأتي بالتدريج منذ الصغر إلى أن يصبح الولد شابّاً؛ بحيث يستطيع بعدها أن يُفكر ويتعامل مع مجريات الحياة المختلفة، فبعض الشباب يصلون لمرحلة عمرية من حياتهم، ولكن لا يستطيعون التفكير واتخاذ القرار لأي موقف يصادفهم في الحياة، أو يقول لك: انتظر لأرى رأي أبي في ذلك، وفي أغلب الأحيان تكون التربية هي السبب.
والكثير من الدراسات التربوية أثبتت أن الأطفال يولدون ولديهم القدرة على التفكير والإبداع، ولكي ننمي هذه القدرة لديهم؛ يجب علينا أن نعطيهم المساحات المناسبة لذلك، ونشجعهم في التفكير واتخاذ القرار بأنفسهم، ويكون دورنا نحن كوننا أولياء أمور التوجيه والنصح.