التحذير من مخاطر تحديد سعر فائدة التمويل الأصغر
د. معاذ فرماوى
farmawima@alj.com
farmawydr@brjegypt.com
بشكلٍ عامّ هناك عدم رضاً عن الفوائد المرتفعة التي تفرضها مؤسسات التمويل الأصغر على عملائها، إضافة لذلك فإن الفائدة الحقيقة أعلى بكثير إذا تمّ احتسابها على أساس الرصيد المتناقص، كما أن هناك رسوماً أخرى يدفعها العملاء، ولا تظهر ضمن الفائدة المعلَنة؛ ممّا دفع بعضهم لاقتراح وضع سقف لهذه الفائدة.
ومن وجهة نظر مخالفة لطبيعة نشاط التمويل الأصغر كنشاط كثيف العمالة يتّصف بارتفاع حجم مصاريف التشغيل؛ فإن فرض سعر فائدة مرتفع لتغطية التكاليف هو إجراء ضروري؛ لاستدامة هذه المؤسسات والمساعدة في التوسع اللازم لتحقيق أهدافها التنموية، وحتى لا تتكبد مؤسسات التمويل الأصغر الخسائر إذا كان سقف الفائدة أقل من المستوى المطلوب لاسترداد تكاليف التمويل، ويؤكد أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بأن وضع سقف لأسعار الفائدة سيؤدي إلى إهمال مؤسسات التمويل الأصغر للعملاء الأكثر فقراً، وعملاء القروض صغيرة الحجم وهُم الفئة المستهدَفة من هذا النوع من التمويل، وسيؤدي ذلك إلى تغيير طبيعة الإقراض المقدّم من مؤسسات التمويل الأصغر، مدللين على صحة رأيهم بأن التجارب أثبتت أن سياسات سعر الفائدة الحرّ ساعَد على نموّ صناعة التمويل المتناهي الصغر وانتشاره، واستطاع الملايين من الفقراء الحصول على قروض صغيرة من مؤسسات التمويل الأصغر.
ويرى أصحاب هذا الرأي أنه إذا كان هناك حاجة لخفض أسعار الفائدة فلا يكون ذلك من خلال التدخل الحكومي بفرض حدّ أقصى لسعر الفائدة؛ لأن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى تقويض التنمية المستدامة لهذه الصناعة، والتأثير السلبي عليها، والحدّ من المعروض من القروض الصغيرة والخدمات المالية الأخرى بشكل يلحق ضرراً كبيراً بسوق التمويل الأصغر، ويرون أن الحلول تكمن في تعزيز الأسواق الأكثر قدرة على المنافسة والعمليات منخفضة التكلفة وزيادة كفاءة مؤسسات التمويل الأصغر.
ويبرر أصحاب هذا الرأي رأيهم بأن الفائدة على القروض الممنوحة هي مصدر الإيراد الأساسي لمؤسسسات التمويل الأصغر، ولأن هذه المؤسسات تتحمل تكاليفاً ضخمة؛ فإن المعدل سيكون بالمقابل مرتفعاً لتغطية هذه التكاليف، كما أن معدلات التضخم العالية تساهم في رفع معدل فوائد الإقراض لتأثيرها في القيمة الحقيقية لحقوق مؤسسات التمويل الأصغر.
وصناعة القروض الصغيرة واستردادها تعدُّ عملية مكلفة على مستوى كل قرض؛ حيث تتم عادةً من خلال زيارة الموظفين للعملاء، وهذا يعني زيادة تكاليف الانتقال والوقت المستغرق للقيام بذلك، إضافة إلى ضعف البنية التحتية المادية وشبكة الطرق والنقل؛ مما يؤدي إلى زيادة التكاليف الإدارية، وكلما كانت الضمانات على القرض أسهل أدّى ذلك لزيادة تكلفة القرض، وكلما كانت أصعب أدى ذلك لانخفاض تكلفة القرض، وهذا مرتبط مباشرة بدرجة المخاطَرة وتكاليف المتابَعة الميدانية؛ ولذلك فإن فرض سقف لأسعار الفائدة سيكبّد مؤسسات التمويل الأصغر خسائر كبيرة، وسيحدّ من رغباتها وقدراتها على توسيع عملياتها، إضافة إلى تثبيط المستثمرين المحتملين عن دعم صناعة التمويل الأصغر.
وخلافاً لتوقعات المتبنين لوضع سقف لمعدلات الفائدة؛ فإن رأيهم سيؤدي أيضاً لتقليل الجدارة الائتمانية لمؤسسات التمويل المتناهي الصغر والحدّ من قدرتها على الاقتراض من السوق لتمويل عملياتها، ومن ثَمَّ الانخفاض في تقديم الائتمان وزيادة التحول للقروض قصيرة الأجل؛ لأنه فى حالة توقّع زيادة التضخم فإن القروض طويلة الأجل سوف تحمل في طياتها مخاطر أكبر مع وضع سقف للفائدة.
ومن جانب آخر، فإنه في حالة السماح لمؤسسات التمويل بقبول ودائع لأجَل من العملاء؛ فإن تحديد سقف لمعدل الفائدة سيضر بمعدلات الفائدة على هذه الودائع بتخفيضها مما يؤثر سلباً في المدّخرين من عملاء التمويل الأصغر، كما سيتردد هؤلاء المدخرون في وضع ودائع في هذه المؤسسات بسبب خسائرها أو انخفاض أرباحها والشكّ في استدامتها، وهذا يزيد من تفاقم المشكلة.
ولقد أثبتت الدراسات والتجارب العالمية أن محاولات تحديد سقف لمعدلات الفائدة بدون الأخذ في الاعتبار ضرورة تغطية كافة التكاليف قد أدت إلى انسحاب مؤسسات التمويل الأصغر من السوق بسبب عدم القدرة على الاستمرار بعد تفاقم الخسائر، وكذلك انخفاض معدل النمو بشكل كبير، وتوجّه مؤسسات التمويل إلى المقترضين الأفضل حالاً للحصول على ضمانات جيدة؛ وذلك لتخفيض المخاطرة وضمان السداد، إضافة لزيادة عدم اعتماد الشفافية وتفادي إعطاء معلومات صحيحة حول معدلات الفائدة بدقة.
كما أن فكرة دعم أسعار الفائدة للفقراء مرفوضة من الممولين والخبراء في قطاع التمويل الأصغر بإعتبار أن ذلك تشويه للسوق، واستخدام غير مناسب أو مقبول سواء لأموال المانحين أو المستثمرين؛ ولأن ذلك سيؤدي إلى تزايد مشكلة الفساد والتحايل والمحاباة.
إضافة لما سبق، فإن الواقع يثبت أن الزيادة والتوسع في الخدمات التي تقدمها مؤسسات التمويل الأصغر تحدث في البيئات التي تكون مؤسسات التمويل الأصغر لديها الحرية في تحديد معدل الفائدة اعتماداً على عوامل مؤسساتية وخصائص السوق، وأما في الأسواق التى يعدُّ فيها سقف الفائدة أحد خصائص السوق الأساسية؛ فقد انخفضت خدمات التمويل الأصغر بشكل مخيّب للآمال؛ وذلك لأنه على الرغم من تقديم إعانات ضخمة بهدف تقديم قروض ميّسرة للفقراء، فإنه غالباً ما تصبح تلك المؤسسات التي تحصل على هذه الإعانات هشّة مالياً، وتعتمد بشدة على الدعم لمواصلة عملياتها.
ولذلك يجب رفض أي فرض ومقاومته لوضع سقف لأسعار الفائدة، وقد يبدو ذلك غير مستساغ سياسياً، ولكن في نفس الوقت يجب التأكيد على أن تحديد سقف لأسعار الفائدة لا يعالج الأسباب الجذرية لارتفاع أسعار الفائدة، وسوف يؤدي إلى تفاقم المشكلة، فمجرد الشك في وجود سياسة عامة أو نية لوضع سقف للفائدة سيكون له تأثيرٌ سلبيٌّ على توفير التمويل متناهي الصغر؛ ولذلك يجب أن تكون هناك سياسة واضحة تضمن وتؤكد أنه لن يتم فرض سقف لأسعار الفائدة للقضاء على مثل هذه المخاطر، ولتشجيع المنظمات الحالية لزيادة استثمارتها وتحفيز منظمات جديدة على الدخول للسوق وتحسين إمكانياته لزيادة المنافسة؛ وبذلك فإن واضعي السياسات يمكنهم خلق بيئة حرّة للمستثمرين الدوليين في المجالات التجارية والاجتماعية للمساهمة باستثمارتهم في مؤسسات التمويل الأصغر المحلية.
وللتوضيح فإن المرفوض هو فرض سقف لسعر الفائدة، وليس تخفيض سعر الفائدة، والذي يتم من خلال سياسات استباقية وبطريقة مستدامة، كتعزيز بيئة مواتية لمؤسسات التمويل المتناهي الصغر وتشجيع دخول أنواع مختلفة من المؤسسات في هذه الصناعة، ووضع الأسس لأسواق أكثر تنافسية، وتطوير البنية التحتية المادية والبشرية والمالية والسيطرة على التضخم. ويمكن للبنك المركزي تشجيع عمليات البحث العميقة وتبنّيها المتعلقة بأسواق التمويل متناهي الصغر لتحديد ما قيود النمو المستدام لنشاط التمويل متناهي الصغر؟ مع تزويد واضعي السياسات على كافة المستويات بنتائج عمليات البحث، وتوضيح العواقب الوخيمة والمحتملة لوضع حدود قصوى للفائدة على التمويل، ومثل هذه الإجراءات ستساعد على تحسين القطاع وتطويره في الأجلَين المتوسط والطويل.
إن خلق بيئة أكثر تنافسية لصناعة التمويل الأصغر، والعمل بحرّية في السوق، ودون فرض سقف سعر الفائدة سيساعد -كما أثبت الواقع العملي- على زيادة انتشار الصناعة، ويمكن تحقيق هذه البيئة من خلال وضع إطار قانوني لترخيص مؤسسات التمويل الأصغر ومساعدتهم على التحول إلى مؤسسات مالية منظمة لتقديم خدماتها إلى الأسر الفقيرة بشكل سريع وبدون تعقيدات تنظيمية مع تشجيع الدخلاء الجدد، وهذا سيساهم في خفض أسعار الفائدة على القروض الصغيرة بشكل كبير، كما أن أيّ تحسين بسيط للبنية التحتية كتحسينات الطرق والجسور وإمدادات الكهرباء، وكذلك تحسين البنية التحتية البشرية سوف يكون له أثر إيجابي على تكاليف تشغيل مؤسسات التمويل الأصغر، وتوسع الفرص الاقتصادية للأسر الفقيرة وهو ما ينعكس على نموّ صناعة التمويل الأصغر، كما أن استخدام منظمات التمويل الأصغر للتكنولوجيا الجديدة للمعلومات والاتصالات يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على تكاليف التشغيل، وذلك إضافة لتحسين البنية التحتية البشرية خاصة في مجال التعليم، والذي سيكون له أثرٌ إيجابيٌّ أيضاً على تكاليف التشغيل؛ ولذلك يجب محاربة الأمّية المالية بين الأسر الفقيرة ومنخفضة الدخل.
كما ينبغي أن يكون واضحاً أهمية تخفيض تكاليف التشغيل، فهي السبب الرئيسي والأساسي لارتفاع معدل فائدة التمويل متناهي الصغر؛ حيث إنه يجب فصل العناصر الرئيسية وتحديدها عن باقي العناصر الأخرى المتسببة في ارتفاع الفائدة؛ وذلك بهدف تحديد التداخلات بين هذه العناصر بشكل مناسب؛ حيث يؤدي انخفاض تكاليف التشغيل إلى زيادة عوائد منظمات التمويل الأصغر، وكذلك زيادة حجم القروض المقدمة، وعلى جانب الطلب فإنه يؤدي لتخفيض معدل الفائدة التى يدفعها المقترضون، وكذلك زيادة حجم الإقراض، وهذا يعني أن تخفيض تكاليف التشغيل وما ينتج عنه من انخفاض معدل الفائدة يحقق فوائد للجانبين المقرض والمقترض، وهذا يعزز ويطور صناعة التمويل الأصغر وفي نفس الوقت يحقق المساعي الرامية لحصول الفقراء على قروض بأسعار فائدة مقبولة.
والخلاصة أنه يجب على مؤسسات التمويل الأصغر إيجاد طرق مبتكرة لتحسين الإنتاجية والكفاءة، وتقليل تكاليف التشغيل، ويمكن أن تساعد الحكومات على تشجيع الابتكار في قطاع التمويل الأصغر من خلال الاعتراف بهذه الابتكارات ومكافأة المبتكرين، وهذا يشجع على المزيد من الابتكار، كما يجب عليها أن تكفل نشر المعلومات المتعلقة بزيادة كفاءة مؤسسات التمويل متناهي الصغر على نطاق واسع، كما أن المفتاح لتخفيض أسعار الفائدة بطريقة مستدامة هو الحد من التكاليف من خلال تحسين سوق المنافسة والابتكار والكفاءة.
وأما وضع حدود قصوى لأسعار الفائدة فهو أسلوب غير ملائم؛ حيث لا توجد حلول سريعة أو قصيرة، ولكن الحلول الناجحة والمستدامة تكون على الأجل المتوسط أو الطويل، ويحتاج صانعو السياسة إلى الاعتراف بالعوائق الموجودة وتصحيحها، مثل الافتقار إلى البنية التحتية المادية والبشرية والمالية، وكذلك تعزيز المنافسة والكفاءة، بالإضافة لتوفير بيئة تمكينية لمؤسسات التمويل متناهي الصغر لتطوير هذه المؤسسات بطريقة مستدامة.