تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
ثقافة وفنون

سلبو أنوثتها البريئة

جمعة بن طالب الشكيلي

حينما أبصرت عيناها للدنيا تهلل والديها فرحًا ونسبوا اسمها إلى تلك الليلة المزدانة بضوئها “قمر”..
كبرت قمر بين سويعات وساعات الزمن ورغد حب أبيها لها ليكبر معها حلمها وطموحها بعيدًا عن أمها التي فارقت الحياة لحظة سماعها بكاء بكرها في أول خروج لها للدنيا..
قمر كانت كأمها فاقت بجمالها زرقاء اليمامة وأجمل جميلات عصرها..
قمر إن مشت على الأرض فز ترابها خجلًا منها..
قمر كانت آسرة إن نظرت العيون لها … لحن القيثارة في حديثها … متبخترة في مشيتها … شامخة بحيائها..
كانت حديث القريب والغريب.
بلغت قمرنا نصابها فجاء فارسها الصنديد حاملًا نبأ زواجه منها فابتهلت القرية كلها تغني وترقص بأن قمرها ستلتقي بسيفها الوضاء وفارسها المغوار الذي طال انتظاره.
قصة حبهما ضُرب به مثلًا كمجنون ليلى وامرؤ القيس وحب عنتر لعبلة..
بلبلان لم يسمع منهما إلا تغريدهما وانسجام أفكارهما وصدحهما بكلمات الحب والغزل لبعضهما..
في يومٍ ما أذن مؤذن “يا فرسان الوغى هلموا هلموا” فذهب وتركها وهي تنتسل بانتظار مولودها الأول…
مرت الأيام وعيون قمر لم تفارق النظر إلى مدخل القرية بانتظار من ذهب ولم يعرف له خبر حيث كانت زقزقات الليل وصريرٌ خافت يسامرها ويلهيها قليلًا…
النهر كان غاسل لدموعها الحارق لوجنتيها المتوردتين الذابلتين بحنين حب فارسها…
أنين وألم وشوق وانتظار لتمر الشهور مسرعة معلنة مولد الحسام ففرحت الأم بونيسها إلا أن قلبها رفض السعادة ومات في شوقه لأبي الحسام.
جمال قمر كان الغذاء المنتظر للعديد من الأنفس التواقة لتذوقه فيومًا بعد يوم والثعالب تزداد تكالبًا عليها لسلبها أعز ما لديها شرفها الذي صانته لسنوات في انتظار فارسها وفي غياب عقلها وحاجة ذليلة لتؤمن غذاء بكرها بعد أن باعت كل ثمين لديها جاء اليوم المنتظر لترتاح الثعالب من شقوتها فتكويها دونما رحمة ودنما شفقة..
كانت تتوسل راجية رحمة تنزل بها ولكنها قوبلت بالتعذيب والتنكيل، لم تتحمل قمر كثيرًا فأعز ما لديها سلب وخانت الأمانة فكيف ستقابل حارسها إن أتى محملًا بالغنائم وهي دنست بيته العفيف..
باتت حيرانة مشتتة مجنونة بثوب العاقل تسرح بعيدًا وتنسى عالمها حتى أتاها الخلاص بعد سنوات من عذابها فانتزعت روحها بقوة من جسدها وجروحها تدمي نفسها ودموعها حرقت مقلتيها…
سلبوها أنوثتها البريئة ورموا بطفلها البرئ في مهاوي الردى فلا يعرف له اسمًا ولا نسبًا ولا تاريخًا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights