العلاقة الزوجية بين برود المشاعر ولهيب الخلافات
محمد الشرع الجساسي لـ ( النبأ ) : المحبة والرحمة أساس لعلاقة زوجية سعيدة.
عبري – ( النبأ )
صلاح بن سعيد المعلم العبري
إن البرود العاطفي هو المصدر الحقيقي للخلافات الزوجية والتي تظهر مختبئة في أشكال وأسباب أخرى قد تكون في غاية التفاهة ، تصبح الشماعة التي يعلق عليها الزوجان سبب خلافاتهما دون أن يصارحا بعضهما بالأسباب الحقيقية للخلافات المستمرة والمشاعر المتبلدة.
وتحدث الفاضل / محمد بن حمد الشرع الجساسي المحاضر والأخصائي في العلاج النفسي والمدرب في التنمية البشرية لـ ( النبأ ) أن برود العلاقة العاطفية هو السبب الرئيسي لنشوب الخلافات الزوجية، وكذلك لعدم وجود فن الحوار الحضاري بين الزوجين فيخيم بينهما البرود ، ويكون الصمت سيد الموقف في جنبات حياتهما، ولا يزول هذا الصمت إلا بإثارتهما لمشاكل مختلفة ومتعددة لأسباب تافهة جداً، ويتجنبان الحوار بصراحة حول المشكلة الحقيقية، كأن يكون أحد الطرفين أو كلاهما غير راضٍ عن العلاقة الزوجية بمختلف مفاهيمها سواء الجنسية أوالعاطفية أوالإجتماعية في علاقتهما الزوجية، مما يؤثر سلباً على حياتهما بشكل عام وعلى تلك العلاقة بوجه خاص.
مشيراً إلى أن الأساس في العلاقة بين الرجل والمرأة ، هو أن تكون هذه العلاقة مبنية على المحبة والرحمة مصداقاً لقوله تعالى(ومن اياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، كما أن العلاقة العاطفية بين الزوجين هي أهم أشكال العلاقات الإنسانية والتي تجعل البيت أو الأسرة في ديمومة من الإنسجام والسعادة والوئام.
مؤكداً بأنه وعندما تتكرر المواقف السلبية بين الزوجين تفتر المشاعر والعواطف بين الطرفين وتبدأ الخلافات والنفور بالظهور، ومع هذا التوتر والنفور تتحوّل المشاعر إلى كراهية، وعداوة قد تبدأ من طرف واحد حتى تصبح متبادلة بين الطرفين، لتتحوّل بعدها تلك المحبة والسعادة التي بدأت في الأيام أو الأشهر الأولى من الزواج إلى مشاعر كره وعداء تؤسس لهدم عاطفي ونفور في العلاقة، وهنا تحدث الكارثة والتي قد تنتهي بالطلاق أو بأسوأ من الطلاق في بعض الحالات والتي يكون ضحيتها في المقام الأول هم الأطفال.
وأضاف محمد الشرع قائلاً : يعاني الكثير من الأزواج بما يسمى فتور الحب الافتراضي بعد مرور ثلاث سنوات وأحياناً يصل إلى خمس سنوات من الزواج بعدها ينخفض وهج الحب. حيث يتراجع هذا الوهج بالتدريج الى أن يصبح شيئًا روتينيًا يتعود عليه الطرفان، ولكن من المؤسف جداً أن يتحول ذلك الحب إلى كراهية ونفور، وإهمال وعدم تقدير، وتبادل للكلام الجارح والمؤذي ثم يصل بهما الحال للمطالبة بالإنفصال بعد كل سوء تفاهم مهما كان بسيطا.
مضيفاً بقوله : إن الزواج مرحلة إنتقالية وأساسية في حياة البشر قال تعالى(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)صدق الله العظيم. فهي علاقة إجتماعية مستمرة ودائمة بين رجل وإمرأة يختلف كل منهما عن الآخر في شخصيته وتركيبته وطباعه وأفكارة وحتى في ثقافته وميوله ، بالإضافة إلى البيئة التي كان يعيش فيها كل منهما.
و من الطبيعي أن الحياة الزوجية لا تسير في خط واحد حيث تمر بتغيرات وتحولات فأحيانا يسودها الإستقرار والهدوء، وأحيانًا أخرى متقلبة، وذلك وفقاً لتقبل الطرفين وإنسجامهما مع بعضهم البعض.
و أن الزواج مهمة ليست بالسهلة على الزوجين وخاصة في سنواتهما الأولى من الحياة الزوجيه.
وقد يكون الزواج ناتج عن علاقة حب طويلة ومتينة، ولكن بعد فترة من الزمن يصبح كلاً منهما غير قادر على التفاهم والاندماج مع الآخر، والسؤال هنا..أين ذهب ذلك الحب الجارف؟ ولماذا ذهب أدراج الرياح بعد الزواج؟ وهل هذه العلاقة التي كان يحلم بها الزوجان طوال عمريهما؟
هذه بعض الأسئلة التي تدور في عقل الزوجان معاً وكلاهما يلقي الوم على الأخر لفشل هذه العلاقة.
وبعد هذا الصراع هل الطلاق هو الحل؟ وما مصير الأولاد؟
في هذه الحالة.
وللمحافظة على اولادهما قد يلجآ الزوجان بالإتفاق بعدم الطلاق، ولكن يصبح الانفصال روحي وجسدي، مع بقائهما في نفس البيت.
أما عن إجابة السؤال أين أختفى ذلك الحب الجارف
قد يكون الزوجان مشغولا بالالتزامات والمسؤوليات الأسرية، ربما أصبح الأطفال أولوية قصوى في الحياة الزوجية ، أو ربما حوّل أحدهما أو كلاهما انتباهه إلى الأهداف المالية من أجل جعل حياتهما الأسرية آمنة.
ومن الطبيعي فإن الحياة الزوجية لا تخلوا من بعض الخلافات أو المشكلات التي تكون بشكل عارض، ولذلك لابد أن يستوعبها كل من الزوجين، وأن يكون لديهما القدرة على تفهم موقف بعضهما، وقدرتهما على التعامل مع ذلك الخلاف على حسب نوعه وشكله.فالبعض من الأزواج والزوجات لا يعطي هذه الخلافات اهمية كافية أو لا يهتم بإيجاد الحل الحاسم لها، فتتراكم وتسبب المزيد من المشكلات والخلافات الأكثر تعقيداً والتي ما كانت لتتضخم لو تم التعامل معها بعقلانية، وبعض الأزواج والزوجات يبالغ في ردود الفعل تجاه هذه الخلافات ويعتبرها بداية لنهاية العلاقة وأنا أقول لهؤلاء الأزواج والزوجات أنتم بحاجة إلى التعامل بعقل وحكمة مع خلافاتكم الزوجية، وكذلك تعلم فن إدارة هذه الخلافات.
وتطرق الجساسي إلى أن من أبرز النقاط التي يجب أن يتجنبها الزوجان في إدارة هذه الخلافات في إطلاق الكلمات شديدة اللهجة، والعبارات القاسية، والكلمات البذيئة. وعدم التكبر والتعالي بالحسب و بالنسب أو بالمال أو بالجمال أو بالثقافة، فإن هذا من أكبر الاسباب التي تدمر العلاقة بين الزوجين.
ويجب عدم إقحام الأولاد في الخلافات الزوجية، فلا بد من إفهام الأطفال أن الخلافات مسألة عادية وطبيعية وتنتهي بسرعة، والأصل هو الحب والعلاقة القوية بين الأبوين، وأنهما لا يستغنيان عن بعضهما، ويحترمان بعضهما ويخشيا على بعضهما البعض، وأن هذه المشكلة عارضة وستنتهي بسرعة. ويجب على الزوجان التعامل مع بعضهما بحكمة وعقلانية ولا داعي لرفع الصوت والصراخ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرع ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وتجنب أسلوب التهكم والسخرية، أو التعالي والغرور وعدم التقليل من قدر الطرف الاخر، عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال(لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشناً وكان يقول إِن من خياركم أحسنكم أَخلاقاً).
ومن هنا أنصح كل زوج وزوجة الى اللجوء للنقاش البناء والحوار الهادف، وفتح مجال للنقاش حول واجه الخلاف للوصول للحلول التي ترضي الطرفين، مع التأكيد أن الخلاف ليس معركة يثبت فيها كل طرف انه الأقوى وصاحب الحق، ولكن الهدف الأساسي من النقاش والحوار هو حل المشكلة.
فعلى الزوجان أن يتقنا فن الصلح والتسامح، ويتطلب ذلك منهما ذكاء ومرونة وأخلاق وحكمة، وقيم عند وقوع أي خلاف، وهناك قواعد عامة يجب اتباعها وهي ان لا تكرر وتعيد أمور واحداث مر عليها فترة من الزمن حتى لا تثير غضب شريكك وحتى لا يزداد الأمر سوءًا، وليحافظ أحدهما على هدوئه طالما أنه يلاحظ أن الآخر بدأ يفقد صوابه وهدوء أعصابه.
ويجب أن يعطي احد الطرفين المجال لتجنب الردود القاطعة أو التي تدل على أنه لا أمل لاصلاح المشكله مثل(هذا طبعي ولن أغيره) أو (إذا كان يعجبك هذا الحال وإلا فالعلاقة منتهية)..فكل هذه العبارات وغيرها تفقد الأمل وتوصل الى طرق مسدوده وتشعر الطرف الآخر بالإحباط وعدم الفائدة من الصلح أو تحسين العلاقة.
وتجنب أقحام طرف ثالث ليتدخل بينكما، فكثرة ترديد عيوب أو نقاط ضعف الطرف الآخر امام الأخرين يفاقم المشكلة وتضخمها، وتجعل صعوبة الوصول للصلح، وإنها المشكلة، وفي الغالب حين يتدخل طرف ثالث لحل المشكلة يزيدها تعقيداً، وربما يؤدي لفقد الثقة بين الزوجين.
ويجب على الزوجان أن يأخذ كل واحد منهما دوره في المبادرة بالصلح في أي مرة تختلفان فيها، بغض النظر عن من المخطئ اولاً فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول(لا يحل لِمسلم أَن يهجر أَخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدا بالسلام). فهذا في العموم فمن الأولى والأحق أن تستخدم في العلاقة الزوجية. وتجنب إطالة فترة الخلاف، حتى لا تزيد المشكلة، وتتضخم الأمور، واحرص دائمًا على حل المشاكل والقضاء عليها أولاً بأول، ولا تدع اليوم يمر دون حل الخلاف، حرصًا على مشاعركما، وعلاقتكما، فالصفح والغفران هما ضمان نجاح الحياة الزوجية وسعادتها. ويجب على الزوجان تقبل بعضهما البعض مهما كانت الفروقات بينهما، وان يجعلا التسامح والمودة هي السمة الاساسية والبارزة في علاقتهما لاستمرار حياتهما الزوجية وسعادة أبناهما.