دموع أمي
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
حين رأتني أدمعت عيناها رغم محاولتها أن لا تُريني دموعها، مستلقيةً على سرير الرحمة، وهي ترقد في المشفى مستغربة لمَ كلّ هذه الأجهزة الطبية، ولمَ رُبطت يداها؟ هي لا تعلم أن يداها قد قُيّدت خشيةً من أن تمتد إلى أنبوب التنفس، بدأت تتحدث بلا صوت وأجيبها على كل كلمة تنطقها وإن كانت صامتة، فأنا أعرف ما تريد، هي تسألني عن حالي وحال إخوتي وأطفالنا، وتنادي: أخرجوني أخرجوني ما عدت أحتمل، ولكن كيف يا أمي وأنتِ تتلقّين العناية الطبية؟
أسألها هل أنتِ بخير؟ فتجيبني: نعم، وأقول لها احمدي الله إذن، تُحرك رأسها باستياء وأعلم ما يجول بخاطرها، فهي تحنّ وتشتاق إلى بيتها، تشتاق للحرية والهواء الطلق.
سئمتْ من المكوث مستلقية على ظهرها فلا حول لها ولا قوة، هي لا تعلم أن قلبها توقف وأُنعشت في مرتين، وأنها دخلت العناية المركزة لأكثر من ثلاثة أسابيع، نعم عشنا وما زلنا نعيش في قلق، أياماً سوداء مرت علينا، كيف لا وهي الأم التي حملتنا في بطنها وتحملت أعباءً كثيرة لنخرج إلى الدنيا، كيف لا نعاني مثلها وهي من ربتنا وتحملت المشقة من أجلنا، تضحي بكل شيء من أجلنا، تجوع لنأكل، تبكي لنضحك، تحرم نفسها من كل شيء لأجلنا، هي تعيش من أجلنا تضحك وتبتسم من أجلنا وإن عانت الأمرّين إلا أن لسانها لا يكفّ عن الدعاء لنا، فما شقيتْ إلا من أجلنا.
نراقب نبضات قلبها وندعو الله أن يزيح عنها العناء، وأن تعود إلينا تملأ البيت نوراً وفرحاً، ولا تتوقف ألسنتا عن الدعاء لها متضرّعين لله عز وجل أن يعيد العافية لها وأن يشفيها فهو القادر على كل شيء.
حين أشكو مرضي أشعر وكأنها هي من تعاني، مرضتُ يوماً وعجزت عن الوقوف، فحملتني بيديها، فكيف لا أحملها بعد أن أصبحت عاجزة عن الحراك، جسدها النحيل لا تحمله قدماها، فهي لا تقوى على الحراك، فما لنا إلا رد جميلها ولن نستطيع أن نوفي حقها.
نعم سيصل بنا الزمن ونجد أنفسنا في يوم من الأيام نعاني ما تعاني ونسأل الله أن يبرّ بنا أبناؤنا، ونرجو من الله أن يتقبل عملنا وأن لا يكون به قصور تجاهها، ولو نعلم بحنان الأم وعطفها لما تركناها لحظة كما فعلت هي حين كنا صغاراً، لا نعرف أنها حين تسألنا عن شي هو خوف وحرص منها، كانت لا تغمض عينها إن كنا خارج المنزل حتى نعود، تقف أمام باب المنزل تنتظرنا بشوق وقلبها يخفق خوفاً علينا كما يخفق قلبها الآن ألماً.
ندعو الله أن يعيدها إلينا سالمة معافاة بلا ألم، نسأل الله لها الشفاء العاجل وان يبدل دموعها إلى فرح وابتسامة لا تفارق وجنتيها، اللهم آمين.
الأم وما أدراك ما الأم؟ فلو وصفنا وتحدثنا لن نستطيع وصف مشاعرها تجاهنا وليتنا نستطيع أن نوفي حقها علينا، فكم أبكيناها وكم أحزناها وكم تحملت منا الكثير، نسأل الله أن ترضى عنا وتسامحنا عن كل تقصير.
رغم كل شيء نحن مقصرون تجاهها ونلوم أنفسنا على كل لحظة لم نسعدها فيها، حين نرى أطفالنا نعرف قيمة الأم والأب في حياة الإنسان، فالأم أرحم بك من نفسك لنفسك، عانت كثيراً من أجلك، نعم هكذا هي الحياة لا شيء يدوم على حاله، الصغير يكبر والصحة لا تدوم وليتنا نعرف قيمتها ولا نعرف إلا حين نفقد صحتنا وعافيتنا، حينها ندرك أن الله سبحانه وتعالى ما خلقنا إلا لنعبده في رحلة تتسارع أحداثها وتتبدل دون أن نعي ذلك.
رحمة الله واسعة فلا نافع غيره ولو اجتمع أطباء العالم وأكثرهم خبرة لن ينفعوك إلا بأمره.
نسأل الله العلي القدير أن يشفي كل من يعاني آلام المرض وان يشفي أمي وان يخرجها مما هي فيه فهو الشافي ولا شفاء إلا شفاؤه.