الأربعاء: 8 مايو 2024م - العدد رقم 2132
مقالات صحفية

ولا تقربوا شجرة الركاز، والمنابع الرديفة؛ فهي أمانة

 خميس بن محسن البادي

قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱلجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُولا}الآية(72) صدق الله العظيم.

تلكم الشجرة التي يصوّغ لنا الشيطان زينتها ورغد العيش في كنفها والعياذ بالله وأنها ملك خالد لا يبلى ولا يفنى، فلا ريب أنها شجرة محرمة وما الشيطان إلا غاوٍ مضل للإنسان…
وبذلك لا يجوز الاقتراب منها حيث قد يُزِلّ الشيطان بها المرء وخاصة الموظف العام بصرف النظر عن منصبه ودرجته الوظيفية، وذلك لما يراه أمامه من المغريات التي لا يحق له المساس بها دون وجه حق، فتلكم الشجرة تتراءى للإنسان في الطريق وفي العمل وفي الكسب والسعي وحتى على شاشة الهاتف، فالحذر أن يأكل منها فيطرد من جنة الإيمان ولذة العيش فيه ويثير غضب الرحمن عليه ويلتحق بزمرة أصحاب الباطل الزاهق الذي يزيّنه له الشيطان فتظهر سوءته وتفتضح سريرته وينبذه المجتمع، ولنتذكر أن الشهادة ستكتب وسيسأل عنها صاحبها يوم العرض حيث لا نفع حينها لمال أو بنين ولا جاه أو عضيد إلا من كان قد أتى وقلبه سليم نقي تقي خالص لوجهه سبحانه وتعالى.

وقد قال الحق تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون}الآية281 سورة البقرة.
وتختلف شجرة الحرام باختلاف المنصب والدرجة الوظيفية والموظف أياً كان منصبه فإنه حين يستغله بخيانته للأمانة الموكلة إليه بخدمته العامة للمجتمع والوطن، ويتعدى على المال العام أياً كان نوعه فإن ذلك هو الفساد الكامل الأركان، فمن استأثر لنفسه أو لقريب له أرضاً مستغلاً وظيفته فهو فاسد وذلك الموظف الذي يجهل أبجديات وظيفته فهو فاسد جاهل، حيث يكون ضحية ذلكم الجهل المواطن طالب الخدمة فتراه يطلب إليه تقديم مستندات غير ضرورية وإرفاقها ضمن معاملة طلب الخدمة أو يوجهه لجهة غير مختصة لإنهاء معاملة طلبه ليعود ثانية لذات الجهة حيث يتم التعامل مع طلبه وإنهائه، ومن سعى في تعطيل مصلحة أحدهم قاصداً فهو لا ريب أنه في عداد الظلمة الفاسدين، وغيرها من الأمور التي لا حصر لها والتي تعطل مصالح المجتمع وتعرقل مسار التنمية، ولا تنس عزيزي الموظف أن الرشوة من الموبقات التي تهضم حقوق الآخرين وهي ضرب من ضروب الفساد، وقد يستمتع الراشي باستحواذه وامتلاكه ما لا يحق له من المال العام سواء الثابت أو المنقول، في حين ينتشي المرتشي فرحاً نتيجة ما آل في حوزته من مال هو في حقيقته الثمار الحرام للشجرة المحرمة. فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَل أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» أخرجه الطبراني.

إذاً هي الأمانة بعينها المنصوص عليها في القرآن فإلى جانب ما هو ملزم به المرء شرعاً نحو ربه من أداء أمانة العبادات، فقد جاء في التعاريف أيضاً بأن الأمانة هي حاجات الناس وحقوقهم من الودائع والعواري والرهون، ولعل أبرز تلكم الحقوق في حاضرنا اليوم هو الركاز وما أوجده الإنسان من روافد مساندة مثل السياحة والصناعة والتجارة والأراضي وغيرها من الروافد التي تزيد من التدفقات المالية للخزينة العامة، وفي بلادنا سلطنة عمان فإن المحاجر بأنواعها ركاز لا تقل أهميته عن ركاز المشتقات النفطية، وقد ناشد المغردون والمنادون والكتّاب والكثير من أفراد المجتمع وما يزال ذلك ديدنهم من حيث أهمية احتضان الدولة لهذا المرفد الحيوي الهام لما يدره من مدخولات مالية كبيرة، ويكفي استغلالاً لهذه الثروة من أشخاص دون غيرهم، وذلك ما ينطبق أيضاً على خيرات البحر الذي تجرفه سفنٌ عملاقة تقضي على صغيره وكبيره وبكميات لا حصر لها، الأمر الذي من شأنه أن يعجل بتقويض هذه الثروة الحيوية في قادم الأيام، وأن مجمل ذلك هو مال عام وجب حمايته وحفظه دون المساس به عن غير وجه حق كونه حقاً عاماً لكل أبناء البلد، وبذلك هي أمانة في عهدة كل من أوكل إليه جلالة السلطان-حفظه الله- مسئولية خدمة الوطن والمواطن، ونعلم جميعاً أن الله جل وعلا قد عرض حمل الأمانة على السموات والأرض والجبال ولعظمها أشفقن منها وحملها المكرم من الله تعالى من بني آدم الظلوم الجهول.

فالواجب على المرء المكلف بحمل هذه الأمانة والذي قَبِل على نفسه بحملها أن يتقي الله سبحانه وتعالى في صونها والمحافظة عليها، ويجتنب محارم الله تعظيماً له جلت قدرته وخوفاً منه، وأن يكون محل ثقة من ائتمنه على هذا الحمل الثقيل ويجعل أهمية المحافظة عليه من أولويات عمله ومسؤولياته بعيداً عن العبث بها زوراً وظلماً وفساداً، وأن يحذر غضب الله في ذلك بالتفريط في الحفاظ على الأمانة بتبديدها والاستيلاء عليها، وليعلم حاملها أن كتمها يوجب غضب الله والمحرومين من مستحقيه أبناء هذا الوطن المبارك، والواجب هو العمل بأداء حقوق العباد وعدم بخسها كما شرع الله تعالى، حتى يتم توزيع ريعها بما يرضي الجميع وينمي البلد ليستفيد الجميع ويعم الخير وتحل البركة.

حيث نهى المولى عز وجل في كتابه العزيز عن الغَل بقوله: { وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} الآية 161 سورة آل عمران.

فأنت أيها الوزير ومن هم دونك في المناصب والوظائف الخدمية لقد وُجِدّتم لخدمة الوطن والمواطن كما قال جلالة السلطان- حفظه الله-، وعليكم العمل برفعة شأن هذا الوطن الطيّب الغالي وخدمة المواطن وصون كرامته والارتقاء بعيشه وتوظيفه والاستفادة من قدراته وخبراته وعطائه وكفاءاته، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال تهميش دوره عن تنمية بلده وليكسب بحلال في الوقت عينه كي يعيش بكرامة، فهو الأحق بأن يتمتع بخيرات بلده، بلد الخير والمحبة والسلام، كما لا ينبغي الالتفات البتة إلى ما نادى به أحدهم مؤخراً في شأن ضرورة وضع غير العماني في الأعمال الإدارية والموارد البشرية، والذي طالب أيضاً بمنحه حق إنهاء خدمة من يشاء من موظفيه بحجج واهية مختلفة وتجميد حقوقه المالية الدورية، فما هو وأمثاله إلا عوائق وعراقيل في إيجاد الحق الواجب توفيره حول فرص العمل المختلفة للمواطنين، والآخر ليس أكثر نبوغاً من العماني الذي بمقدوره أن يبدع إذا ما منح الفرص وفسح له المجال.

وقد قال الله تعالى في الآية (31) من سورة النجم: { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} صدق الله العظيم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights