ليست السياحة بالأماني
محمد علي البدوي
تقريباً كل شيء في الوجود يصلح لأن يكون منتجاً سياحياً، المهم أن يكون لديك الرغبة في تحقيق ذلك.
هناك دولة في جنوب القارة الأفريقية اكتشفت كهفاً يعود إلى القرن الثامن عشر وعلى جدرانه بعض الكتابات، فعملت هذه الدولة على استغلال هذا الكهف وروّجت له فتحوّل إلى منتج سياحيّ يجذب آلاف الزوار سنوياً.
وعلى العكس، هناك دول تمتلك مقومات سياحية عديدة ولكنها لا تستطيع استخدامها لدفع عجلة السياحة إلى الأمام.
إذن المشكلة في العقول وفي آليات التسويق وإقناع العميل وليست في توفر المقوّمات والموارد.
يسافر سنوياً ملايين السياح إلى دول بعينها من أجل سياحة التسوق لأن هذه الدول وفّرت مزايا يسعى خلفها السائح ليصرف آلاف الدولارات التي تنعش اقتصاد هذه الدول.
هذا النمط السياحي لا يعتمد على التاريخ والآثار ولكنه يهتم بتوفير الرفاهية التي يبحث عنها كثير من محبي السفر والسياحة.
تنمية السياحة ليس مجرد شعار أو مجموعة من الأمنيات بل هو عمل شاقّ ومجهد في ظلّ منافسة شرسة تطيح بالضعفاء الذين لا يملكون القدرة على التفكير والإبداع.
هناك حقائق لا يمكن إغفالها مثل استحواذ الدول الكبرى على نصيب الأسد من كعكة السياحة وعدم تنفيذها للمبادئ التي نصّت عليها بنود منظمة السياحة العالمية من حيث ضمان التوزيع العادل للتدفقات السياحية، ولكن هذا العذر لا يمكن أن يكون سبباً في توقّف حالة الإبداع لدى مسوّقي المنتجات السياحية في البلدان الفقيرة.
إن لم تزرع خبزك بيدك فلن يزرعه لك الآخرون، بمعنى إن لم تنتبه الدول الأكثر احتياجاً للسياحة لأهميتها فلن يقوم غيرها بتنبيهها أو مساعدتها.
ومنظمة السياحة العالمية تسعى للابتكار في طُرق التعافي ولكنها تظل مُسيّسة من قِبل القوى الكبرى التي تسيطر على الاقتصاد والسياسة والسياحة ولن تتنازل عن مكتسباتها مهما حدث.
كل الدول السياحية لديها خطط متنوعة تهدف من خلالها إلى تحقيق معدلات نموّ مناسبة من خلال أعمال التسويق والبيع، وبنظرة سريعة على كل تلك الخطط سنجد تشابهاً كبيراً
بين كل الخطط في كل الدول لأن فنّ التسويق واحد مع اختلاف طبيعة كل بلد.
ولكن الناجحون فقط هم من يستطيعون قراءة المستقبل وتسويق ما يظنه البعض مستحيلاً، ومتابعة العميل منذ لحظة التفكير في القيام برحلة ما إلى أن يعود إلى وطنه.
الأنماط التقليدية في التفكير والتسويق أصبحت غير مجدية والاعتماد على رصيدك السابق لدى السائح لن يكون مفيداً بالقدر الكافي لقيام صناعة متكاملة تهدف إلى التنمية وخلق فرص العمل.
السياحة ذات طبيعة خاصة وتكاد تكون الصناعة الوحيدة التي تتكامل مع معظم القطاعات الأخرى، تؤثر فيها وتتأثر بها ولا سيّما السياسة والاقتصاد.
أنظر إلى خريطة السياحة العالمية ستجد أن أكثر الدول استقبالاً للسياحة هي أكثرها قوة سياسية واقتصادية، لأن الواقع يؤكد ارتباط هذه العناصر ببعضها البعض.
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل تصبح المنافسة أكثر ضراوة، ويتحول سوق السياحة إلى حلبة صراع يتم فيها استخدام التكنولوجيا التي لا تملكها معظم الدول الفقيرة.
التكتلات الكبرى والسيطرة على الأسواق السياحية وجذب أكبر عدد ممكن من طالبي الخدمات السياحية عنوان هذه المرحلة، فمعظم مالكي شركات السياحة الكبرى في روسيا من الأتراك الذين فطنوا مبكراً لأهمية السوق الروسي، فقاموا بالاستثمار داخل روسيا وامتلكوا كبرى الشركات التي تصدّر السياحة الروسية إلى مختلف دول العالم.
هذا بالضبط ما يجب علينا القيام به، فنحن العرب نمتلك الإمكانيات والموارد والعقول ونفتقد إلى الاستراتيجيات التي تكون وحدها قادرة على خلق نوع من المنافسة التي تضمن لعالمنا العربي حصة أكبر من السياحة.
فحصة المنطقة العربية من السياحة لا تقارن بما تمتلكه من موارد بشرية وطبيعية، ولا بدّ من تكاتف الهمم وتوحيد الجهود ووضع تصوّرات واقعية يمكن تنفيذها على أرض الواقع.
التوصيات والتوجيهات لن تُجدي نفعاً والمطلوب هو تحرك حقيقي نحو تلبية احتياجات القطاع السياحي مع تجنب حالة الاعتماد على تطور السوق، فالأسواق تتبدل وتتغير وفق أهواء وميول العميل الذي يبحث دوماً عن كل جديد.
حفظ الله شعوبنا العربية.