ولو فكرنا قليلًا..!!
هلال بن حميد المقبالي
هناك مقولة أو حكمة تقول: “إذا وضعت مجموعة من النمل الأسود ومثلها من النمل الأحمر في صندوق؛ فأنك ستلاحظ أنهم يعيشون في هدوء وسلام تام، ولم يحدث لهم شيء، أما إذا أخذت الصندوق وهززته وتركته؛ فأنك ستلاحظ بعد ذلك بأن النمل بدأ في قتل بعضه البعض، وذلك لأعتقاد النمل الأحمر أن النمل الأسود هو سبب المشكلة وهو العدو المرتبص به، بينما يعتقد النمل الأسود أن النمل الأحمر هو العدو؛ وهكذا صار الصراع بينهما، بينما العدو الحقيقي الذي ثار الفوضى بين المجموعين، وتركهما في صراع وقتال هو الشخص الذي هز الصندوق”.
ومن الملاحظ أن كثير من مشاكلنا العائلية أو المجتمعية، وحتى الإقليمية والعالمية تأتي أو تصدر من هذا الفعل “هز الصندوق”.
فلولا وجود أشخاص أو أحزاب وتكتلات تقوم على هذا المقام، “هز الصندوق”، لخلق المشكلات والتوترات واستغلال نقاط الخلاف؛ لما كانت هناك تخاصمات، ومشاحنات، ولا ظلّ تباغض، وتلاعن بين الآخر والآخر، ولا قامت النزعات والتنازعات، ولا حدثت الحروب وازدادت المشكلات وتنوعت، فكل ذلك أتى من تحريض شخص أو عدة أشخاص بين طرفين متحابين “فهز أحدهم الصندوق”، وقامت القائمة بينهم.
وما نراه حالياً من تنظيمات وتكتلات، وتحالف، وما يثار عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقنوات الأخبار من خطابات، تشحن وتتكلم في المذاهب، والأديان، والعرق واللوم، والتقليل من شأن الآخر، وإظهار العيوب بين الفرقاء، والسب، والغيبة، والنميمة بين الاقرباء، والكثر من هذه السيناريوهات ما هو إلا “هزٌ لهذا الصندوق”، والله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}-(الحجرات آية: ٦).
وبسسب هذا السلوك الذي يتخذه الأغلبية في الوقت الراهن من خلال قنوات التواصل والقنوات الإعلامية، وبث العديد من العبارات والجمل قد أنشأت عداوات بين الأفراد والشعوب، ومسافات باعدت بين المذاهب والأديان، وصارت هناك معارك سلاحها السباب والتجريح بسبب معلومة قيلت من شخص مجهول؛ خبيث المعاني، ضعيف المباديء “هز الصندوق” فاهتزت الراحة والسكينة.
ومن الغريب أن الجميع يدرك أن هناك من خلق هذه المشكلة وسعى لتوسعة نطاقها، وفعل ما فعل مستغلًا بعض الأسباب والمشكلات القديمة لتأجيج الموقف، ولكن وللأسف الشديد رغم علمنا بذلك فقد سعينا للقوة دون الحكمة، ولو في القوة حتفنا.
ولو فكرنا قليلًا فيما يحدث، وقبل أن نختلف ونتخاصم وسألنا أنفسنا: من هز الصندوق؟ لما حدث ما حدث.
وبفعل “هز الصندوق” هناك شعوب تفرقت ومجتمعات تلاشت، وعائلات تشتت، وأقرباء أصبحو أعداء، وإخوة نفروا عن بعضهم البعض وتباعدوا، وجحدوا فضل بعضهم البعض، ونسوا المعروف فيما بينهم، وهناك أيضًا أصدقاء تفرقوا وتخاصموا، وأزواج تطلقوا وتهدمت بيوتهم، وانحرف ابناءهم، كل هذا بسبب شخص” هز الصندوق” بالغيبة والنميمة، سواء كان الفعل الذي قام به لمصلحتة الشخصية ناتجة عن كبت في قلبه أو مرض نفسي يتملكه، وأراد أن يثير الفتنة بين الأطراف، أو مدفوعًا من شخص ما أراده أن يكون اليد التي “تهز الصندوق”، ولو كان ذلك الشيء على حساب أسرته ومجتمه أو وطنه..