2024
Adsense
قصص وروايات

فى الركن البعيد

أمل مصطفى

 

الوحدة، هذا الشعور الغامض الذي يأخذنا بعيداً عن من حولنا ،أسوء أنواعها تلك التي تجتاح مشاعرنا ونحن بين الأهل والاصدقاء ومن نحبّ.
شعورٌ غريب وكأن النفس تسافر إلى عالم آخر فترى الناس وكأنها لم تراهم، تسمع منهم ولا تنصت لهم، شعورٌ بارد فاتر للحياة ولكل ما يدور حولنا.
نفس من يشعر بالوحدة هي نفسٌ هجرتها السعادة، غادرتها الحياة فتشعر الروح بالاغتراب، فتندمج مع النفس فى عالم اللاشيء، عالم اللامبالاة.
يقول الكاتب أحمد خالد توفيق:
ايُّتُهَا الوحدة، أَنْتِ موطني الوحيد، أَنْتِ رفيقي الدائم حينما أفتقر للوطن، الناس هم غُربتي.
إن هذا الشعور بالوحدة والاغتراب نشعر به عندما نمرّ بتجارب وإحباطات وآلام وصدمات من نتعامل معهم، لأنه يوجد من يتدفق العطاء منه بلا حدود لمن حوله ولمقربيه، ويكون دعماً وسنداً لكل من يحتاجه، وعندما تميل به الدنيا ويحتاج من يركن إليه بهمّه، من يسمعه أو يشاركه حتى ولو بالرأي، لم يجد أحداً ممن ظنّ بهم الخير ولم يجده.
فيرى نفسه أنه أقلّ كثيراً مما يستحق، لأن الآخرين لا يعاملوه بما يستحق.
لذا انطوى بنفسه هناك فى الركن البعيد يعاني في صمت من جرح مشاعره، تنزف نفسه حدّ الألم فتهرب الكلمات والحروف ولا يبقَ إلا لومٌ وعتاب للنفس عن كل وقت أهدره مع من لا يستحق، فنسجن أنفسنا في كهف وحدتنا، ونتعامل مع كل شيء بمجهود وشعور نفسٍ مرهقة تفقد شغفها ومتعتها بالحياة.
يذكّرنا جبران خليل جبران أن الألم يغيّر الناس، فيجعلهم يثقون أقلّ ويفكرون أكثر، وينعزلون أطول.
لكن الوحدة ليست هى الحلّ للحدّ من المشاكل أو البعد عن من لا يقدّرنا ويستهين بفيض مشاعرنا، بل أعتبره عقاباً نعاقب به أنفسنا بوعي أو لا وعي بشعور أو لا شعور.
فنحن لا نزعل من أحد، نزعل فقط من أنفسنا لتوقعنا الطِيبة والمحبة والمشاركة مع خذلنا، فنحن من نقدّر قيمة الأزمات ونعطيها حجمها ونجعلها تؤثّر فينا، فلمَ نسجن أنفسنا ونعاقبها بالعزلة والوحدة؟
وجود الناس والأهل والأصدقاء يقلل من الإحساس بالاغتراب ويجعلنا نشعر بسعادة ومتعة بالتواصل، بالودّ والحبّ والمشاعر الطيبة، لذا علينا أن نختار من نصادق ومن نحب ومن نزامل.
فمن حولك إما أن يُخرِجوا أحسن ما فيك من معاملة وودّ، أو يطمسوا نفسك لمزيد من الإحباطات والسلبيات.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس من خالط كرام الناس).
أشرِق على العالم من كهف وحدتك واخفض سقف توقعاتك ممن حولك، وعِش بالحبّ والودّ وتغافل عمّا يزعجك، وتصالح مع نفسك حتى تستطيع التصالح مع الآخرين. واكتشف ذاتك واسعَ لعمل كل ما يسعدها، وسيطر على أفكارك ومشاعرك، ليس كل شيء يستحق الاهتمام.
اختر الرفيق الذى تجد فى قربه سعادة.
افعل كل شيء بحبّ، ابتغاء مرضات الله ولا تنتظر شيئاً من أحد، يقول الكاتب أمين الريحاني:
لا أنكرُ أنّ العزلة جميلة، ولكن لا بدّ لي معها من رفيقٍ لأقول له من وقت إلى آخر أن العزلة جميلة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights