صالح بن خليفة القرني
تتشبث أصابعك بعجلة القيادة حتى لتكاد تكون ملحومة بها وذلك حينما تقود سيارتك فيه وذلك أول ما يتبين الخيط الأسود من الليل وتحرص ألا تستخدم أنوار سيارتك العالية حتى لا تؤذي غيرك من مستخدمي الطريق في الجهة المقابلة فلو قيس توترك على جهاز الفولت ميتر لجاوز الحد فأنت في قلق وتحفز دائم خوفاً من بعض الحيوانات التي تظهر فجأة من جمال وحمير وغيرها ، صحيح أن العواكس الأرضية الموجودة فيه تزيد عن مائتين وخمسين ألفاً إلا أنها تظهر مسار الطريق لا الماشي فيه، لذا فأولى شروط سالكه ليلاً أن يكون حاد البصر قوي الملاحظة وقد حصلت الحوادث برغم ذلك.
تسعة أشهر مرت على افتتاح الحركة المرورية بطريق الباطنة السريع وأكثر من شهر ونصف على افتتاحه رسمياً وهو ورغم وجود أحد عشر ألف عمود إنارة به إلا أنه لم يبصر بعد، فأبناء الولايات التسع التي يمر بها وكل مرتاديه ينتظرون اليوم الذي ستعمل فيه الإنارة فتبدد وحشته وتطمئن قلوب آباء وأمهات يضعون أيديهم على قلوبهم حين يسلك أبناءهم طريق الباطنة السريع فتجد الأمهات يهرعن إلى أبنائهن قبل الذهاب بكلمة ” تباصروا” حتى أن أحدهم ومن شدة خوف أمه عليه حلَّفته ألا يسلكه ليلاً إلا بعد أن يُنار، صحيح أن الإنارة لا تمنع قدراً وقد يموت أحدنا في فراشه ولكن الطريق المظلم مع وجود حيوانات سائبة خطر كبير يهدد مرتاديه وخاصة أنه مفتوح وبه أربعة مسارات في كل اتجاه.
سمعنا الكثير من الشائعات عن أسباب عدم تشغيل الإنارة فيه وبالتأكيد لست بصدد ذكرها إلا أنني كغيري أترقب أن يعم النور به من الفليج وحتى خطمة ملاحة فمشروع كهذا ينبغي أن تراعى فيه أعلى درجات الأمان ولكل مرتاديه وقد قضت أرواح عزيزة علينا فيه وأصيب الكثير لا لتهورهم وسرعتهم ولكن بسبب الظلام الدامس الذي يكتسي الطريق من أوله إلى آخره فلابد أن يبصر ويرى النور ليس الشارع فقط حتى كل القرى والمخططات السكنية التي عرفنا أغلبها بعد أن سلكناه لها حق الإنارة وأن تخرج من الظلام.
طريق الباطنة السريع منجز حضاري عملاق من منجزات النهضة المباركة وننتظر عملية جراحية لإزالة العشى الليلي عن عينيه فأنه لم يبصر بعد ولازلنا ننتظر ذلك اليوم الذي يبدو أنه سيأتي قريبا.
