موجة حزن ومزن بالوجع (حبلى)
سميحة الحوسنية
كانت ليلة شتوية باردة ماطرة.. ارتدى فيها الشتاء معطفًا من صقيع.. تجمدت فيها عقارب الساعة التي باتت دقائقها جثثًا تتساقط على وجع اللحظات. يعتصرها ألم الانتظار.. إنها ساعات الليل الطويلة الحالكة المخيفة التي لم تذق فيها الأعين لذة النوم، فكان الدعاء والبكاء وآهات تنبعث من خلف تلك الأبواب بالرغم من تلك المواقد التي تحيط بالأرواح لتدفئتها من ذلك البرد القارس فإنها كانت كالجمر المتجمد الذي لا نرى إلا ضوءه الملتهب فقط.. فالأمطار والعواصف تمطر بداخلنا زوابع من الحزن.. لا تلبث أن تهدأ حتى تنهار كلما مرَّ شريط الذكريات.
في تلك الليلة الكئيبة الغريبة التى نسجت فيها الأحزان كالعناكب وشاح كلمها.. فلا فرح ولا ابتسام سوى أشباح الخوف المتجولة في المكان.. الليل يكتحله السواد.. في عمق الصمت المتجمد بدأت خطوات الرجال متسارعة.. توقض الأرض النائمة.. الكل يغادر باتجاه العاصمة بصمت بوجوه واجمة شاحبة.. هناك من يخفى دمعته عن والدته، وهناك من يرتمي في أحضان والده، وهناك من يتحدث بصوت مبحوح في هاتفه؛ فاختنقت الكلمات خلف قضبان الحروف.. وغرقت في مراكب الدموع.
في تلك الليلة كانت مشاهد مخيفة مهيبة؛ فالقلوب يتسارع نبضها لا تسكن ولا تدفأ.. تشعر بموجة حزن قادمة من عاصمة الفقد ستلتهم الفرح؛ فتقام مآتم العزاء.. حتى أطل الفجر بعينيه الحمراوين.. يحمل الأكفان البيضاء يجرُّ عباءته الممزقة بلون الظلام.. ترافقه أسراب من الطيور العائدة من مدائن الموت.. تحمل الخبر الموجع؛ فانهالت علينا الرسائل كالرماح السامة تدمي قلوبنا.. (لقد رحل سلطان القلوب).
فأجثم الحزن كالجبال على صدر عُمان لتنوح كأم ثكلى مفجوعة.. تطلق صرخاتها في كل مكان؛ فابيضّت عيناها من الحزن.
فكان بكاء المزن.. وصرخات الرعد.. وآهات شعب أصابته آلاف الرماح، وغرست خناجر الحزن في دمه؛ فنزف.. إنه يوم العاشر من يناير الحزين (لقد رحل قابوس)؛ فارتدت أيامنا الحبلى المكلومة ثوب الحداد.. لتهيج اليوم لحظاتنا بتلك الذكرى العطرة التي ما زالت تفوح وتعبق في أنفاس عُمان روحًا وريحانًا وجنات النعيم.. ولروحه عطرٌ وسلام.