وقفة إنجاز
د. إنعام بنت محمد المقيمية
بعد مشوار اثنتي عشرة مقالة في رعاية الموهوبين نفسيا واجتماعيا احتضنتها صحيفة النبأ، تطرقت إلى أغلب النقاط الأساسية التي استنبطتها من رسالتي في الدكتوراه، وجاءت مواكبة لرؤية عمان (2040)، ومن بعد هذه المقالة سأتطرق إلى خبراتي وتجربتي مع الطلبة الموهوبين؛ حيث ظهر اهتمامي بفئة الموهوبين في عام (2018) قبل ظهور هذه الفئة كونها مسمى في المجتمع.
حيث استحدثت وزارة التربية والتعليم قسما لرعاية الموهوبين بدائرة التربية الخاصة بعد صدور المرسوم السلطاني رقم(37/2008م)، وتلا ذلك صدور قرار وزاري(395/2013) يقتضي بتشكيل فريق العمل يختص بإعداد وثيقة لاكتشاف الطلبة الموهوبين ورعايتهم في سلطنة عمان (2019-2014)، كما تبنى مجلس البحث العلمي بسلطنة عمان مشروع اكتشاف الطلبة الموهوبين ورعايتهم فيها (2017-2014)؛ إذ تم تطوير عدد من الاختبارات والمقاييس وتقنينها على البيئة العمانية، وكذلك تدريب مجموعة من الكوادر البشرية على تصميم برامج إثرائية خاصة للطلبة الموهوبين في الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي، ومباشرة تطبيقها على الطلبة في مطلع العام(2016/2017).
وفي(2019) قمت بتقديم برنامج إرشاد جمعي في الرعاية النفسية والاجتماعية للطلبة الموهوبين في مدرسة الشيخ ناصر الخروصي الذي ضم (15) جلسة إرشادية لمدة ستة أسابيع، والتي من خلالها تعرفت أكثر إلى تلك النفس البشرية الغامضة للموهوبين، فالإرشاد النفسي للطلبة الموهوبين يختلف تماما عن الطلبة العاديين؛ لما يحملونه من صفات وسمات واحتياجات مختلفة، ومن لا يتقن التعامل معهم مؤكد سيصاب بالاحتراق النفسي!
وكما قلت سابقا، سأتطرق بذكر بعض المواقف من خلال تجربتي مع الموهوبين في المقالات القادمة بإذن الله.
وفي عام (2020-2021) استحدث قسم الموهوبين بوزارة التربية والتعليم إعداد برنامج إثرائي للطلبة الموهوبين والذي يهدف إلى الارتقاء بمواهب الطلبة واستثمارها ضمن أسلوب إثرائي جديد يضمن توفير الرعاية الكاملة والمناسبة لهم؛ حيث يشمل البرنامج ثلاثة مجالات ( الرعاية النفسية، والابتكار والتقنيات الحديثة، والأدب والفنون)، وتم تكليفي بتطبيق البرنامج الإرشادي لتقديم مجال الرعاية النفسية للطلبة الموهوبين والمتفوقين في محافظة مسقط، والذي تجاوز عددهم (100) طالب وطالبة، وكان للبرنامج أثر كبير على المستوى النفسي والاجتماعي للموهوبين، برغم من تخوفي في بداية الأمر؛ لأن التواصل غير مباشر من خلال تطبيق البرنامج الفصول الافتراضية على منصة جوجل كلاس رووم ، إلا أن بفضل الله كانت النتائج مبهرة؛ حيث شعر الطلبة بحرية أكبر في ممارسة التفريغ الانفعالي، وتطبيق الفنيات، وكتابة الواجبات، ولقد كان لي شرف تكريمي من قبل وكيل وزارة التربية والتعليم، وأكبر شهادة أفتخر بها كلمات الطلبة بعد الانتهاء من البرنامج، وتواصل أولياء الأمور؛ لما رأوه من تغير في ذوات الموهوبين، فالاهتمام بهذه الفئة الخاصة ورعايتها نفسيا واجتماعيا حاجة مجتمعية ملحة؛ لاستثمارها حاضرا ومستقبلا.
وبعد نجاح تطبيق البرنامج للمرة الثانية، قمت بإعداد دليل إرشادي في الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين والمتفوقين، والذي سيظهر للنور قريبا، بوصفه كتابا إلكترونيا مطبوعا من إحدى الجهات المعروفة عربيا وعالميا.
لم يتوقف عطائي عند رعاية الطلبة الموهوبين، فكان لابد من التواصل مع الأفراد المحيطين بالموهوبين، فقمت بتقديم محاضرات توعوية عبر برنامج زووم لأولياء الأمور والمعلمين، وتقديم محاضرة مركزية خاصة للمختصين من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، من خلال عرض خصائص هذه الفئة الخاصة والتعرف عليها والسمات المميزة فيهم، والتعرف على مشكلاتهم سواء كانت معرفية أو اجتماعية أو نفسية ناتجة من المحيطين بهؤلاء الموهوبين، أو نابعة من صراعاتهم الداخلية، وكيفية مساعدة الموهوبين؛ للانسجام والتكيف والتأقلم مع طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه.
ومن خلال مسيرتي في رعاية فئة الموهوبين، فإنها كانت دافعا لمواصلة طموحي أبعد من حدود مجتمعي؛ للتعرف على واقع الموهوبين على مستوى الوطن العربي بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، فلقد واصلت طرق أبواب التعلم بدخول عدة محاضرات وبرامج مدفوعة في مجال الموهبة والإبداع، كما كانت لي بصمة وحضور في المؤتمر العلمي الدولي الرابع عشر لرعاية الموهبة والإبداع بكوني عضوا في المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين، ولقد ضم المؤتمر مجموعة من الأوراق العربية والأجنبية المختصة في رعاية الموهوبين، ومن التوصيات التي تطرق لها المؤتمر إيجاد منصة عالمية تجمع العلماء والمختصين في رعاية الموهوبين؛ لتبادل المعرفة والتجارب، واستشراف المستقبل في رعاية الموهوبين، ومن التوصيات التي اقترحتها على المجلس الاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي للموهوبين، فكانت التوصية إجراء المزيد من البحوث النوعية والميدانية لدراسة الحاجات النفسية والاجتماعية والإرشادية للموهوبين والمتفوقين بعيدا عن الدراسات المسحية والوصفية.
أما على المستوى الخليجي، فقد قمت بإعداد برنامج إرشاد أسري يضم مجموعة من الاستشاريين الخليجيين في الموهبة والإبداع، والذي تمثّل في أمسيات لمدة أسبوع على منصة جوجل كلاس رووم، وكان يهدف إلى إعداد برنامج يستهدف أسر الموهوبين؛ للتعرف على دورها في تلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية للموهوب ودورها في التغلب على المشكلات الأسرية للابن الموهوب، وكذلك دور الأسرة في تنمية الإبداع والموهبة وتطوير قدرات الابن الموهوب، وحاليا في صدد نقل هذا الأثر على مجلة إلكترونية؛ لتعم الفائدة الجميع.
وآخر أعمالي لهذا العام الانضمام لمركز استشارات نفسية من خلاله أقوم بتقديم الاستشارات النفسية والتربوية بشكل عام، وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين بشكل خاص.
وما زال العطاء مستمرا من أجل أبناء عمان، ثروة الوطن، فعندما يكون الهدف هو الوطن فإن العطاء لا حدود له.