2024
Adsense
مقالات صحفية

اللغة العربية في يومها العالمي وعاء الثقافة وعنوان الهوية

د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com

اللغة العربية وعاء ثقافتنا، وعنوان هويتنـا، وتعد المحافظة عليها محافظة على الذات وعلى الكيان، فهي عامل مهم من عوامل وحدتنا وقوتنا وعزتنا، وهي أساس من أسس التنوع الثقافي للإنسانية، وهي كائن حيّ ينمو ويتطور ويزدهر، وبإمكانها الاندماج في سياق التطور العلمي والمعرفي في عصر التكنولوجيا والمعلومات.

واللغة العربية لغة خالدة كتب الله لها البقاء والنماء والخلود؛ لأنها لغة القرآن الكريم، ولولا القرآن الكريم ما كانت عربية، وما حفظت قواعدها، ولا بقيت خالدة في جميع مستوياتها، يقول الله تعالى:” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ( سورة الحجر: 9 )
ولغتنا جميلة بألفاظها، وعباراتها، ودلالاتها، وبلاغتها في شعرها ونثرها وصورها ونسجها ورونقها وبهائها، وسياقاتها المتنوعة التي تحتاج منا أن نكون أجمل في التعامل معها والحنو عليها واحتضانها.

وفي أبيات لشاعرنا حافظ إبراهيم ذكرها في (ديوانه:1987) يقول فيها مبينا فضل اللغة العربية ومكانتها:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظًا وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

ولغتنا لغة عالمية حضارية لها تاريخها؛ حيث إنها من أقدم اللغات السامية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم، أفاد منها كثيرا مَن تعلمها، وأتقنها، فكانت خيرا لأصحابها، ومَنْ نطق بها، ولم تستطع أيُّ لغة أخرى أن تجاريها في مفرداتها وألفاظها ودلالاتها، ومِنْ ثَمَّ كانت محل منافسة مع لغات كثيرة، ولا يمكن لأحد أن يقلل من شأنها، أو يسعى نحو إقصائها من الساحةِ العالمية، فهي لغة الثقافة الإسلامية التي صنعت هذه الأمة، كما صنعت هذه الأمة أيضا ثقافتها، وكأن هناك شيئا متبادلا بينَ الأمَّة والثقافة أمَّة تصنع الثقافة، وثقافة تصوغ ملامح هذه الأمة وهويتها.
ونلحظ أن هناك علاقة وثيقة بين اللغة والحضارة، فكلما وجدت لغة في مجتمع ما أثمرت حضارة له من خلال واقع التفاعل بين الإنسان والكون والحياة.

اليوم العالمي للغة العربية:
في الثامن عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي للغة العربية؛ حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فيه اللغة العربية سادس لغة رسمية لها في قرارها رقم 3190 (د.28 ) لعام 1973م، وبدأ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية عام 2012، وتم اختيار نفس اليوم؛ ليكون إحياء لذكرى اعتماد الجمعية العامة اللغة العربية سادس لغة لها، ويعود الفضل في إدراج اللغة العربية لتكون لغة سادسة بجانب تلك اللغات الرسمية للمنظمة الدولية إلى اقتراح تقدمت به بعض الدول العربية، منها المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.

وتهدف الأمم المتحدة من جعل يوم لكل لغة من لغاتها تحتفل به إلى تعزيز التعددية اللغوية، والمساواة بين لغاتها الرسمية.
وجعلت موضوع الاحتفالية لليوم العالمي للغة العربية لهذا العام 2021 هو ” اللغة العربية والتواصل الحضاري “.
والغاية من هذا الموضوع إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية ومنوطة به في سبيل نقل الثقافات، والارتقاء بالحوار إلى مصاف حضارية، وإرساء أسس السلام في العالم أجمع، ومد جسور التواصل مع الآخرين من خلال المجالات العلمية والأدبية والثقافية المتنوعة.

ما الغرض من الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية؟
ووفقا لما ذكرته الأمم المتحدة في موقعها أن الغرض من ذلك هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها؛ وذلك من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.
وأشارت إلى أن هذا اليوم العالمي للغة العربية يتيح فرصة للتأمل ولمناقشة كيفية تمكين أكاديميات اللغة؛ لتساعد في إحياء استخدام اللغة العربية الفصحى وتعزيزها، كما يتيح هذا اليوم الفرصة للاحتفاء بالثراء والأهمية العالمية للغة العربية في جميع أنحاء العالم.

واجبنا نحو اللغة العربية:
إن واجبنا نحو اللغة العربية في يومها لا يتوقف عند الاحتفاء بها وإقامة الاحتفالات، والمهرجانات المتنوعة، فهذا مهم، وفيه إظهار لقوة لغتنا وتأثيرها في المجتمعات المحلية والدولية، ولكن لابد أن نعي تماما أن مسئولية المحافظة عليها والارتقاء بها تقع على عاتق الجميع، وهناك واجبات كثيرة يمكن إيجاز بعضها فيما يأتي:

أولا: استشعار أنَّ آباءنا وأجدادنا عندما اعتنوا بلغتِهم، وأنزلوها منزلتَها عزوا وعزت بهم، فسجلَّ لهم التاريخُ أنهم أصحابُ حضارة عريقة، ومن ثم فإن أبناءنا وبناتنا سيحبونها، ويقبلون على إتقانها واستخدامها، لا يبتعدون عنها.
ثانيا: إعادة النظر في مناهج اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا، والعمل على تنقيتها وتطويرها بما يتناسب مع معطيات العصر، ويخدم أهدافها وقضيتها ومخرجاتها.
ثالثا: الارتقاء بسبل تعليم مهارات اللغة العربية الأربع (الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة )، والإفادة من التقنيات المعاصرة؛ كي يسهل على من يتعلم العربية أن يرتقي بنفسه في العربية الوظيفية.
رابعا: إعداد كفاءات لغوية مؤهلة من المعلمين والمعلمات لتعليم اللغة العربية من خلال عمل ندوات وورش عمل ومؤتمرات؛ وذلك بمشاركة اللغويين والتربويين؛ حتى يتمكنوا من القيام بمهامهم في التعليم والتعلم.
خامسا: تضافر جهود المؤسسات والهيئات التي تُعنى بتعليم اللغة العربية لكافة الأنشطة اللغوية التي تعمل على تنمية الثروة اللغوية لمتعلميها، والارتقاء بمستواهم، وتحبيبهم فيها، وتقريبها إلى قلوبهم.
سادسا: إبراز دور الإعلام في نشر اللغة العربية من حيث سماتها وخصائصها وإظهار جمالها، وتقديم أعمال فنية وبرامج إذاعية بلغة صحيحة مبسطة.
سابعا: تفعيل قرارات المجامع اللغوية لخدمة اللغة العربية، وانعكاس ذلك في مناهجنا وتعليمنا وإعلامنا، ولا تكون هذه القرارات بمعزل عن التطبيق؛ لأن هناك مستجدات عصرية تحتاج قرارات جريئة ورؤى استشرافية.
ثامنا: الاهتمام بالترجمة المنشودة الهادفة؛ فهي من أسس بناء نهضة الأمم وجوهر حضارتها، ونقل المعارف والعلوم الإنسانية يعد ثروة من ثروات أمتنا، ولابد من إعداد كفاءات لغوية ومهنية لكل من يقع على عاتقه أمر هذه المسئولية الكبيرة التي تراعي حاجاتنا من مصادر التعلم المختلفة ومخرجاتها.

تحية إجلال واعتزاز بلغتنا الحبيبة في يومها العالمي، وتحية تقدير لمتحدثيها من الناطقين بها وبغيرها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights