2024
Adsense
قصص وروايات

( ومن الثقة ما قتل )

قصة قصيرة بعنوان

أمل مصطفى

 

فى بيت مصري أصيل كانت بطلة قصتنا تكبر كزهرة جميلة فى بيت والدها؛ حيث الأم المصرية الطيبة الجميلة المكافحة والأب ذو الشخصية والهيبة، كان الأب والأم سعادتهما تكتمل بسعادة أولادهما وسعادة تلك الزهرة الجميلة؛ لأنها كانت أكبر الأبناء، وفى كفاح الأسرة وصبرها ودفئها كبرت الزهرة، وأينعت، وأكملت دراستها، وتخرجت في الجامعة ..
وأظهر الله حسنه فى ملامحها، وكانت الأمنية أن تكون عروساً، ولها بيت، حلم الأب أن يسعد بزواجها، وتنعم بمن يصونها، ويرعاها، ويكمل معها مشوار الحياة.
وفى يومٍ كانت نسائمه سعيدة تقدّم لها قريبها، وكان من العِلم والمكانة والتديّن، الذي ثبّت قلب الأب، وطمأنه على ابنته، فلم يطلب منه شيئاً إلا أن يصون ابنته، ويحميها، ويرعاها، وكان ذلك ميثاق الشرف بينهم هو الثقة والعهد، ها هو اليوم المرتقب يوم عرس الجميلة بين احتفال الأهل والأقارب والجيران وبريق السعادة يسطع في العيون لمستقبل جميل مشرق.
واطمأنّ الأب وسعدت الأم؛ لوصول ابنتهم لبرّ الأمان، وتأدية رسالتهم نحوها على أكمل وجه.
وملأت الجميلة بيتها محبة ودفئاً، كانت تقتدي بوالدتها؛ فأعطت كل ما فيها من محبة وإخلاص وودّ لزوجها، وأنعم الله عليها بالأولاد والبنات، وكانت الحياة تمرّ هادئة.
ولكن ليست كل الأمور دائماً تمشي كما نتمنّى، حدث انهيار اقتصادي لزوجها؛ فشمّرت عن ساعديها؛ لتقف بجانبه، ونزلت مجال العمل؛ لتسد الالتزامات وطلبات الاولاد.
ولكن الذي حدث كان غير متوقع، تغير الزوج المحب إلى زوج متحفّز للخناق والاختلاف، كانت تعذره نظراً لظروفه، ولكنه كان يزيد في الإساءة لها وللأولاد. تنظر لعينيه، فتقول في نفسها: هذه ليست نظرات زوجي المحب، تبدلت النظرة، وتبدلت المحبة؛ فصبرت كثيراً وتحملت.
تمرّ الأيام، وهي في عملها مؤدية، وفي بيتها متفانية، ولأولادها وزوجها راعية، تحسنت حالة الزوج الاقتصادية، وأنعم الله عليه بالمال الوفير الذى يعوض خسارته، ولكنه اغترب عنها بقلبه وإحساسه، وانفصل عنها بروحه وجسده، فكانت بجانبه، لكنها وحيدة، لم يعد هو، تبدل به شخص آخر، وكأنها لا تعرفه، ولكنه بيتها وحصنها الذى تعلمت من أسرتها كيف تحميه بالصبر والدفء والتحمل.
وفى صباح ذات يوم كان الجو دافئاً مشمساً، ذهبت لعملها تاركةً أولادها بالبيت مع والدهم الذي ائتمنته على حياتها، واختارته من دون الناس؛ ليكون رفيق دربها، وشريك حياتها معتقدة أنه مهما كان الخلاف والاختلاف فهى سحابة عابرة تمرّ، وتعود لها جنتها بأسرتها.
ولكنه يوم ليس كمثله يوم، عادت محملة بأكياس الفواكه والخضروات؛ لتعدّ الغذاء لأسرتها، ولكنها وجدت الدموع تملأ عيون الصغار والخوف والارتباك ينطق فى ملامحهم،
تسألهم بدهشة: ماذا حدث؟ ردّ أكبرهم: لقد تركنا ورحل، لملم أشياءه من البيت ورحل وتركنا، أمي، رحل أبي.
وينهار الصغير بالبكاء خوفاً وهلعاً من القادم المجهول، فهو أكبر الأبناء ذو الخمسة عشر عامًا ، ونظرة الترقب في عين إخواته تسأل بصمت: ماذا نفعل أمي؟
دارت بها الدنيا قليلاً، وتسارعت دقات قلبها، وهي تبحث هنا وهناك لتجد شريك العمر رحل، وتركها بأولادها وسط زخم من المسؤوليات فوق عاتقها، كادت تسقط على الأرض من هول المفاجأة، ولكنها تماسكت، وهدأت من روع أولادها، ومسحت دموعهم ودموعها، وربطت على أكتافهم وعانقتهم، وطمأنتهم إلى أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنهم بخير، وأن غداً سيأتى بالخير.
وأخذت على عاتقها تحمّل المسؤولية كاملة، وذهب هو؛ ليصنع عالمًا جديدًا له مع واحدة أخرى بكل غدر وخسّة.
وقفت مع نفسها، ونظرت إلى جدران بيتها لأولادها، وواجهت الأمر بضراوة.
وكان عملها هو سترها، ودبرت أمورها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وتعليم ومدارس، وهي تحتضن أبناءها بكل محبة وحنان، وقادت بيتها مرتدية ثوب الأب والأم.
تنهار بينها وبين نفسها، تجتاحها بخلوتها لحظات الضعف والبكاء عندما تتذكر حبيبها الذى هجر، ولكنها تلجأ دائماً في تلك اللحظات إلى الله؛ ليعينها، ويقويها.
وبارك الله لها، وأكملت تعليم أولادها، وكان منهم المهندس والطبيب، وزوجت أولادها، وكان لها من الأحفاد ما يقرّ عينها برؤيتهم.
أما هو فتهاوى مع من اختارها، وطعن بغدرٍ لأجلها أولاده ورفيقة دربه، ورجع؛ ليعتذر، ويقول: يا ليتني ما تركتكم، ولكن بعد ما فات الأوان؛ لأنه كان قد رحل، وأخذ معه رصيده من قلوب صغاره، فلم يعد له مكان ولا رصيد، لم يكن يستحق الأبوة والنعمة التي أعطاها له الله، ورفسها بكل نذالة.
وملأت الحسرة نفسه وهو يرى أولاده، وكأنه الغريب، ولا يستطيع أن يستمتع بحضن أحفاده؛ لأنه يراهم فقط من بعيد.
أما هي فكانت كالملكة المتوجة، ولكنها متعبة منهكة من رحلة شاقة عنيفة الأحداث والتحديات، يحيط بها دفء حب أولادها وأحفادها؛ ليردّوا لها جزءاً من الأمان والسلام والرعاية الذى أحاطتهم به، حتى استرد الله أمانته فيها، فسكن الجسد المتعب، وأسلمت الروح راضية مرضية ورب السماء راضٍ عنها، وكانت رمزاً وأيقونة للكفاح والصبر والأمان والسلام مخلّفة وراءها أولاداً يتشرفون بها، ويدعون لها، وأحفاداً تغذّوا من دفء مشاعرها وحبها.
فسلامًا لتلك الروح الطيبة، وسلامًا لكل روح تجاهد وتكافح بأمانة من أجل أسرتها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights