الثلاثاء: 25 مارس 2025م - العدد رقم 2500
Adsense
قصص وروايات

صفقة الدنيا وصفعة الحياة

  ميادة بنت رامس بن عبدالله العمرية

في يوم مُشرق تزينه خيوط الشمس الذهبية، أخذتْ بيدهم إلى مُنتزه ساحر يحمل أحلامهم الدفينة، ويطلق من أرواحهم نبضات الأمل ليلعبوا ويمرحوا في فضاء واسع،

 منحتهم كُلَّ السعادة وفتحت لهم أبواب المرح … سمحتْ لهم بالركض والتسابق معها كطيور تفرد أجنحتها حُرةً تُحلق بلا حدود،

اشترت لهم الحلوى و”البوظة ” والألعاب ..

وأغرقتهم بزخاتِ سعادةٍ من الأموال والهدايا …

هرعوا بأيديهم الصغيرة ليتلقفوا ما جادت به يداها، كانوا في قمة سعادتهم، حتى جاوزوا النجوم شغفًا، فبدأت تعطيهم المزيد من الهدايا والعطايا بكرم لا يُحد ..

لم يخطر في بالهم أن يسألوها عن سبب هذا الكرم …

غرقوا غبطةً في أوهام تشرَّبت بفكرة أن ظلال الشعور بالذنب تجاههم تأسرها لما اقترفته في حقهم في الأيام الماضية، ظنوا في براءة: “إنها تغرقنا بالهدايا؛ حتى ننسى مرارة الأيام”.

آثروا أن يستمتعوا بها رغمَ أنف كل شيء؛ وأنه واجبٌ محتم عليها أن تعوضهم قدر المستطاع .

((تعاظم لديهم شعور الغرور الذي أصابهم في تلك اللحظة، وهم يغرقون في بحر من الوهم! ))

غاب الوعي، واستحوذت أطماعهم على أبصارهم وبصائرهم… فما زالوا يلعبون معها .. كانت تحثهم على اللعب واللهو قدر المستطاع .. ركضوا ، وركضوا، وتعثروا، فاتسخت ثيابهم.. عندها شعروا بقليل من الخوف بعد فوضى عارمة، وحين يذهبوا إلى أمهم فيما بعد، وتجدهم على هذه الحال، توبخهم، أو تنهال عليهم بالضرب …

إلا أن تلك المربية العجيبة التي جاءت إليهم من الخارج الممزوج بآفاق الغموض حاملةً معها كل المعتقدات والأمور التي تخالف

“ديننا الإسلامي”

كانت دائما تحثهم على الاستمتاع بكل جميل تمنحنهم إياه ..

وألا يخشوا أي توبيخ

كانت تردد كلماتها الملونة: “لا تدعوا للخشية مكانًا في قلوبكم، هي لن توبخكم بل ستكون سعيدة من أجلكم لأنكم استمتعتم بوقتكم ومرحتم..

العبوا ..اركضوا .. ولطخوا ثيابكم بشتى ألوان الفرح التي تحتضنها علبة الألوان التي أهديتكم إياها ..كانت تردد تلك الكلمات حولهم كنغمة موسيقية تتناغم مع رقصات أوراق الشجر حين يداعبها النسيم.

قضوا أحلى الأوقات باللهو معها حتى أقبل الغروب، ومع انقضاء اليوم أخذتهم مرة أخرى لتصحبهم إلى المنزل …

إلا أنها ما إن وصلتْ المنزل حتى وقفت متسمرة بابتسامة صفراء أمام عتبة الباب تأبى الدخول، كانوا ينظرون إليها بتعجب، ولم يفهموا سبب امتناعها عن الدخول معهم، فتكتفي بقولها:

سألحق بكم فيما بعد يا أعزائي ..

هيا ادخلوا الآن ..

فيقولون لها بقلق :لكنها قد توبخنا عندما ترى ثيابنا وقد اتسخت بطيش أفعالنا

فتقول: لا تخشوا شيئا يا أعزائي هيا ادخلوا واحدًا تلو الآخر للبيت، وتأكدوا أنها ستكون سعيدة من أجلكم لأنكم استمتعتم بقضاء أروع الأوقات بصحبة مربيتكم التي تكن لكم كل الحب و الحنان ..

عند دخولهم البيت تفاجأوا برد فعلها …

تلك الأم الحنون التي تزهر يومًا بعد يوم، ولكنها في الوقت نفسه تُظهر من الغضب شيئًا يزلزل الأمان!

فقد تفاجأت بهيئتهم بعد أن أفرطوا في الركض، واللعب، والقفز، ورش الألوان على بعضهم..

وبختهم توبيخًا لاذعًا، ثم توجهت مباشرة نحو أولهم، فقد كان يبدو شديد الاتساخ أكثر من غيره؛ لأنه بالغ في تلطيخ ثيابه بشتى الألوان التي امتزجت لتخرج لوحة عصرية فريدة من نوعها…

في تلك اللحظة كان يتذكر عبارات تلك المربية وهي تردد :لا تخف

 فمهما قست عليك في لحظة غضب فإنها تحبك ولن تؤذيك،

ربما ستوبخك قليلا، لكنها لن تؤذيك ..

لكن حدث ما لم يكن في الحسبان فعندما رأته بهذه الحال، أقبلت إليه هائجة بغضب شديد، وقامت بصفعه صفعة قوية على خده ارتعب منها كل إخوته، وسقط على إثر هذه الصفعة وارتطم رأسه بالأرض، فسالت الدماء منه ..

وانطلقت صرخات إخوته كنداء استغاثة مرعب يهز صداه أركان المكان…

تفاقمت الصرخات والصيحات، واهتزت قلوب الإخوة جزعًا، وحين وصل صدى الصراخ إلى الدنيا تملكها الخوف من اللوم أو الغرق في دوامة الأسئلة، فأخذت تجر ذيولها فرارًا وهي تردد: لقد انتهى اللعب، وحان وقت الحساب!

في تلك اللحظة كان ذاك المسكين على الأرض غارقًا بدمائه، وإخوته حوله يطوقون موقع الحادثة بالبكاء والصرخات، فنسف ذلك المشهد غضبها، وتحرك فيها شعور الحنان الذي أذهبته عاصفة الغضب، وأقبلت على ولدها تحتضنه، ودموعها تفيضُ سيلًا يختلط مع أثر الدماء، وعلى الفور قامت بالاتصال بالإسعاف ..

نقل على وجه السرعة إلى المستشفى، فقد لاح طيفُ النزيف في أعضاء جسده، ودخل على إثره غرفة الإنعاش..

حاول الجميع تقديم كل ما في وسعهم لكي ينقذوا حياته في لحظات تسابق الزمن ويتصارع فيها الموت مع الحياة..

وبفضل الله لمحت ومضة أمل حين تم إنقاذ حياته، و لكن للأسف حكم عليه بالعيش طيلة عمره أسير السرير والأجهزة، حكم عليه أن يعيش في غيبوبة تحت رحمة الله ..

فهل سيكتب الله له النجاة، ويجعله يستعيد وعيه ،ويتعلم من أخطائه ؟؟

أم أنه سيظل أسير غيبوبته يفترسه اليأس في عوالم غريبة، ويأكل الموت من عمره حتى ينزلق نحو نهاية أليمة؟!

صنوفٌ من اللوم تعقد اجتماعات جهرية مع الإخوة…

لو لم نبالغ في إسرافنا في اللهو ما كان حدث كل هذا …

لو لم نصغِ إلى تلك المربية ما كان حدث كل هذا ..

لو أن الحياة لم تتبع أسلوب الضرب مع أبنائها ما كان حدث كل هذا ..

لو أن الدنيا لم تغرنا بصفقة السعادة الأبدية، وظلت تصفق لنا كلما ارتكبنا الحماقات ما حدث كل هذا، ولما صفع أحد منا من قبل الحياة …

لقد غرقنا في سعادة زائفة مليئة بفخاخ الحماقات والأوهام، لقد عبثت الدنيا بقلوبنا البريئة المرصعة بالأحلام، حتى أدركنا أن الحياة ليست لعبة بل هي ساحة من الدروس القاسية…

“همســـــة “

إذا أمدك الله بالنعم، وأنت على معاصيه تُقبل فاعلم أنك

” مستــــدرج “..

وإنْ سترك الله ولم يفضحك حتى الآن، فاعلم أنه يطلب منك الإسراع في العودة إليه ..

لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ”..

فهو عز وجل يفتح عليهم الرزق، ووجوه المعاش في الدنيا، حتى يغتروا بما هم فيه، ويعتقدوا أنهم على شيء..

كما قال تعالى : “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ”

وقال تعالى أيضًا في سورة هود:

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)

صدق الله العظيم

وأخيرا : قبل أن تطمح إلى صفقة الدنيا وتفرح بتصفيقها لك ..

فكر ألف مرة في صفعة الحياة

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights