قصة قصيرة الجريمة (الجزء العاشر)

خلفان بن علي بن خميس الرواحي
قبل أن يصل الملازم “قيس” إلى الغرفة التي كانت تنتظره المرأة بها، ينادي عليه الوكيل “أسعد”: سيدي. ينتبه الملازم “قيس” إلى صوته ويقف: تفضل وكيل “أسعد”. يقترب منه ويهمس له: سيدي يحتاج أن نجلس مع بعض لعرض ما توصل إليه الفريق من نتائج بعد البحث والتحري. ينظر إليه الملازم “قيس” ويضع يده على كتفه: بإذن الله وكيل “أسعد” فقط أعطيني دقائق حتى أنهي أمرا ما وأعود إليك. يؤدي الوكيل “أسعد” التحية العسكرية مستأذنا من الملازم “قيس” ويتحرك الملازم مواصلا طريقه للوصول إلى المرأة التي بدأ القلق يدخل إليها فقد مضى عليها وقت طويل وهي تنتظر الملازم “قيس” رافضة الحديث مع أي فرد من الأفراد.
تلك المرأة الجالسة على ذلك الكرسي بعينين جاحظتين تبحث عن ذلك الرجل الذي لا تعرفه أصلا وقد لبست تلك العباءة السوداء وغطت كل شيء فيها فلا يظهر منها إلا بياض عينيها المتسعتين، كلما فتح الباب غيرت في جلستيها متهيئة للحديث وتنصدم بأن ليس الرجل المطلوب فتشيح بوجهها عنه وتعاود النظر للباب من جديد، أخيرا يدخل الشرطي الذي قابلته منذ البداية ومعه شخص ثان يتقدم الشرطي منها: هذا الملازم “قيس” ويشير إلى الضابط الذي معه. يأخذ الملازم “قيس” أحد الكراسي في الغرفة ويجلس ويطلب من الشرطي الخروج حتى يتحدث إلى المرأة وتأخذ راحتها في الحديث.
نظرت المرأة إلى الرجل الذي أمامها وقالت له: أنت الملازم “قيس”؟ مبتسما رد عليها الملازم “قيس”: هو بشحمه ولحمه وإن كان لديك شك سوف أعطيك بطاقتي العسكرية حتى تتأكدي.
تلألأ وجه المرأة وظهر جمال عينيها الذي كان مختفي خلف الخوف والرهبة من الانتظار وتنظر إلى الملازم “قيس”، ينتبه لنظراتها وأن هناك حديث تريد أن تقوله وتنتظر أن يفتح لها الباب لذلك، فيقول لها: تفضلي أخبرني الأخوة أنك تريدين الحديث معي وها أنا أمامك وأسمعك. تخرج من تحت عباءتها ظرفا وتناوله له. الملازم “قيس”: ماذا في هذا الظرف، ومن أين حصلتي عليه؟ هنا تخرج المرأة نفسا عميقا وتغير من جلستها وكأنها اطمأنت ودخلت السكينة والهدوء لقلبها وقالت: هذا الظرف أعطاني إياه زوجي قبل أن يتوفى وطلب مني تسليمه لك بالاسم. يقلب الملازم الظرف في يده دون أن يفتحه لأن لديه أعمال أخرى أهم منه، ولكن حتى لا يكسر بخاطر المرأة قال: من زوجك؟ زوجي رجل بسيط، ردت عليه المرأة، عاش لنفسه فقط لم يكن يخالط الناس إلا من كانوا أمثاله أسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة. شد حديث المرأة الملازم “قيس” وعاد يطرح سؤالا آخر: ماذا تقصدين، إلا من كانوا أمثاله؟! الذي أقصده زوجي كان غير مستقيما ولديه مجموعة هي من كان يخالطها فقط، هكذا وضحت المرأة كلمها للملازم “قيس” وقبل أن يخرج: سوف أفتح الظرف فيما بعد وبإذن الله خير، سيسجل الإخوة في الأحوال بياناتك الشخصية حتى نتواصل لاحقا، يخرج من عندها وهو يفتح الباب: كذلك أعطيهم اسم زوجك الثلاثي وبعدها يمكنك الذهاب.
كان الوكيل “أسعد” وفريق التحريات الذي معه في انتظار الملازم “قيس” حتى يعرضوا عليه ما توصلوا إليه في عملية التحري عن الأشخاص الذين استلموا أسماءهم منه في الاجتماع الأخير، وقبل أن يدخل الملازم قدم الوكيل “أسعد” كلمة شكر وتقدير للفريق الذي معه على العمل الدؤوب في اليومين الماضيين والقدرة على إنهاء المطلوب منهم في زمن قياسي كما كان الاتفاق مع الملازم “قيس”. أثناء ذلك يدخل الملازم عليهم ويلقي عليه التحية ويأخذ مكانه على الطاولة ومباشرة يدخل في الموضوع دون مقدمات، تفضل الوكيل “أسعد” أعرض علي ما توصلتم له، داخلي شعور بأننا نقترب من النهاية. يقف الوكيل “أسعد” تفضل سيدي هذا الملف فيه كل شيء حول التحريات التي قمنا بها. يأخذ الملازم “قيس” الملف ويضع الظرف الذي كان بيده داخله. ثم ينظر إلى الوكيل “أسعد” والفريق الذي معه ويقدم لهم الشكر على الجهد الذي قاموا به ويطلب من الوكيل “أسعد” ملخص سريع عن ملاحظاتهم قبل أن يقدم الملف لفريق التحقيقات الجنائية. هنا يشير الوكيل “أسعد” للرقيب أول “خالد” للحديث.
يبدأ الرقيب أول “خالد” في الحديث، سيدي من خلال التحريات التي قمنا بها وجدنا أن الأشخاص ربطهم أمر واحد وعلاقتهم تتمحور حول ذلك، نحن طبعا لم نتدخل في عمل الفريق الثاني كان دورنا فقط ملاحظة ومتابعة أحيانا كنا نسأل الأشخاص وكذلك قمنا بمتابعة مكالماتهم هذا بعد القيام بالإجراءات القانونية التي تجيز لنا هذا العمل. الملازم “قيس”: وما الأمر الذي كان يجمع بينهم؟ الرقيب أول “خالد”: الذي كان يجمعهم سيدي هو السهرات الليلة والشراب. هل كانت لقاءاتهم في أماكن مخصصة لذلك؟ كان سؤال الملازم “قيس” ابتسم الرقيب أول ثم رد عليه: طبعا لا، كانت أكثر لقاءاتهم في الأماكن المفتوحة وخاصة بالأودية وفي أماكن بعيدة عن السكان، وغالبا ما كانت جلساتهم تنتهي بخلافات ومشاجرات، ولكنها لا تدوم تتلاشى بمجرد ما يعودون لحالتهم الطبيعية. طيب رد الملازم “قيس” ثم سأله: وكيف هي علاقاتهم مع الآخرين؟ أغلب الوقت مع أنفسهم، ولكن هناك من لديه حراك مع المجتمع ويشارك في المناسبات والأحداث وله تأثير في المحيط الذي يعيش به، هكذا رد الرقيب أول على الملازم “قيس”.
يقف الملازم مستأذنا للخروج والذهاب إلى مكتب ضابط المركز واطلاعه على المستجدات كالعادة وكذلك توصيل الملف إلى فريق التحقيقات حتى يبدأ عمله وهو يهم بالخروج. سيدي قالها الوكيل “أسعد” هناك أمر آخر لا بد أن تعرفه، تفضل ردي عليه الملازم “قيس” هناك شخص مفقود في المجموعة وبعد التحري عنه وصلنا إلى أنه متوفى منذ أشهر وكانت وفاته طبيعية في بيته. بارك الله فيكم وشكرا مرة أخرى على عملكم وكل هذه المعلومات سوف يستفيد منها زملاؤكم في فريق التحقيقات وهم من سيكملون العمل حتى تتضح الرؤية لنا، كان هذا حديث الملازم “قيس” قبل أن يخرج من عندهم.
سلم الملازم “قيس” ملف القضية من البداية وحتى التحريات التي قام بها فريق التحريات إلى فريق التحقيقات لمواصلة العمل لكشف الملابسات الأخيرة في القضية والوصول إلى الجاني وغلقها وبعدها يأخذ إجازة يتفرغ فيها لأسرته التي ابتعد عنها كثيرا. ثم اتجه إلى مكتب ضابط المركز وأخبره على كل ما توصلوا له في القضية، ولكن كانت لهجته هذه المرة للملازم “قيس” فيها نوع من الشدة والصراعة، وقال له: لقد تلقيت العديد من الاتصالات من الجهات العليا وهم يتساءلون عن سبب التأخير في حل القضية. وقابل الملازم “قيس” ذلك الغضب بشيء من الروية كالعادة وقال له: سيدي، بإذن الله تعالى خلال هذا الأسبوع سوف نحل القضية، وأنت من البداية وثقت بي ولن أخيب ظنك كن مطمئنا. نظر إليه الضابط: حسنا معكم حتى نهاية الأسبوع، وبعدها هناك فريق من القيادة العامة سوف يمسك القضية ويكمل عملية التحقيقات. هذا الكلام أدخل الضيق إلى نفس الملازم “قيس” ولكنه لم يظهره واستأذن في الخروج سيدي: لن أعود إلى مكتبك إلا والقضية قد حلت، أسمح لي بالخروج. رفع الضابط يده مشيرا بها بالسماح للملازم “قيس” بالانصراف.
للقصة بقية ..