2024
Adsense
مقالات صحفية

الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين (8)

د. إنعام بنت محمد المقيمية

مازال الحديث عن الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين ثروة المجتمع مستمر، وفي مقالتي التالية سأجيب عن سؤالين ختمت بهم مقالتي السابقة وهما: هل يستمتع الموهوب بموهبته، وما علاقة الموهوب بالاضطراب النفسي؟
فينسنت ويليم المعروف بفان خوخ كان رساماً هولندياً، ومن أشهر فناني التصوير التشكيلي، مصنف كأحد فناني الانطباعية، تتضمن رسومه بعضاً من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم. لقد عانى من نوبات متكررة من الاضطرابات النفسية، وأثناء إحدى هذه الحوادث الشهيرة، قطع جزءاً من أذنه اليسرى. قضى نصف عمره بالتمام في المصحات النفسية، إثر نوبات سعادة عارمة أو حزن قاتل، لذي عانى من اضطراب ثنائي القُطب وانتحر في سن السابعة والثلاثين.

أما نوريه دي بلزاك هو واحد من أسياد الرواية الفرنسية بلا منازع، تميز بالتخيل الإبداعي فبرع في كتابته الأدبية، حيث الرواية الفلسفية، والرواية الخيالية والرواية الشعرية. وقيل بأنه كان من مدمني العمل الأدبي فأنتج(74) رواية على مدى عشرين سنة، أي ما يعادل ثلاث روايات سنويا، ونتيجة فكره المتميز بتسارع وتيره التفكير المحدثة لتهيج مفرط (بمعنى الفكرة المتسارعة)، مع ارتفاع الذاكرة الفكرية فقد كان يعمل على إعادة الكتابة ومراجعة أعمال رواياته عدة مرات تصل إلى العشرات، كما كان يعاني من أرق بسبب نشاطه المفرط الذي يجعله طول الليل يكتب، وأصبحت تراوده أفكار شبة هذيانيه مع هوس العظمة، وتوفي نتيجة إهماله لصحته.

ومن المثالين السابقين يتضح لنا مفهوم أخر يلازم الموهوب الا وهو الشغف الممزوج بطاقة وشعور قوي من الحماس، ورغبه في إتمام العمل بشكل كامل، فالموهوب لا يستمتع بموهبته بقدر ما يشغف فيها، وهذا الشغف أو ما يسمى ب(النزعة النفسية) تحتاج إلى تحكم وتوازن ،فقد تؤدي بصاحبها خيرا عظيما أو شرا عظيما .

أما الصلة المرتبطة خلف الاضطراب النفسي للموهوبين فقد أكدت الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة بين الإبداع والاضطراب النفسي، فكلما زاد الإبداع لدى الموهوب زاد الاضطراب النفسي، ومن الاضطرابات الأكثر شيوعا: الفصام واضطراب ثنائي القطب، اضطراب الوسواس القهري، الاكتئاب، التوحد، فقدان الشهيّة العصبي، وعشرات الأمراض التي اقترنت بحالة إبداع جامح وانتهى أصحابها للانتحار.

ويرجع السبب إلى أن الموهوب يتمتع بجملة من الخصائص العقلية والمعرفية المختلفة عن الشخص العادي، فهو ينظر إلى العالم من خلال عدسات مختلفة، قد تكون عدسات مشوهة أو واضحة أو مبكرة، ومع وجود حاجات اجتماعية ونفسية تجاهلها يؤدي إلى خسارة مزدوجة تتمثل في: لحاق الخسارة والضرر بالموهوب نفسه نتيجة الكمالية التي يصاحبها تقييمات نقدية مبالغة للذات ومخاوف من تقيم الغير، أو إنكار وتجاهل موهبته ونبوغه، وإلحاق الخسارة بالمجتمع وحرمانه من الإنجازات الجديدة والمفيدة.

لذا لا يمكن أن ننظر إلى الموهوب على أنه خارق لا يعرف القلق أو المشكلات أو الضغوط، أو أنه قادر على حل مشكلاته بنفسه، بل ننظر إليه كإنسان يعيش في بيئته الأسرية التي لها نسقها الخاص في تربية الأولاد وفي بيئة اجتماعية لها نظرتها، وكما هو الحال مع أي فرد قد تصادفه مشكلات اجتماعية ونفسية تحتاج لتدخلات فعالة لكيفيه التعامل مع الضغوطات والتصدي لها، وهنا يبرز أهمية وجود نظام إرشادي كأمر أساسي للموهوب.

حيث يركز دور المرشد في رعاية هذه الفئة الخاصة بمساعدة الطلبة الموهوبين على النمو السوي والتكيف الإيجابي في المجالات الانفعالية والاجتماعية والمعرفية والمهنية، بالإضافة إلى مساعدة الوالدين والمعلمين على فهم خصائص الطلبة وتطوير أساليب التعامل معهم، وقد عرف إرشاد الموهوبين بأنه: عملية بناء تهدف إلى مساعدة الموهوب لكي يفهم ذاته ويدرس شخصيته ويعرف خبراته ويحدد مشكلاته وإمكانياته من أجل حلها، ويعتبر الإرشاد الجمعي من أفضل وسائل الإرشاد في مساعدة الموهوبين على فهم ذواتهم والتوافق النفسي والاجتماعي لأن تبادل الأفكار والآراء مع الجماعية يوفر فرصة لتبادل الخبرات واكتشاف المشاعر والاتجاهات نحو الذات والاخرين، وتتضمن الخدمات الإرشادية للموهوبين ثلاث خدمات عامة: – خدمات إرشادية الوقائية: تستهدف حمايتهم من الوقوع في المشكلات المختلفة الانفعالية والسلوكية، والدراسية والاجتماعية، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي.

خدمات إرشادية إنمائية: تهدف إلى توفير البرامج والأنشطة المناسبة لتنمية استعداداتهم ومقدراتهم إلى أقصى ما يمكنها بلوغه.

خدمات إرشادية علاجية: تهدف إلى مساعدتهم على حل ما يواجههم من مشكلات، والتقليل ما أمكن من آثارها السلبية على شخصياتهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights