وزارة التربية والتعليم وكورونا!!
سعد بن فايز اامحيجري
اقترب كورونا من الرحيل ونسأل الله تعالى رحيله، وعادت الحياة إلى شبه طبيعتها باستثناء بعض القيود الاحترازية، والحمد لله في السرّاء والضرّاء، وما من عسر إلا ويعقبه يسر، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)النساء:19.
لا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يتأثر بتبعات كورونا- وإنْ كان على المستوى النفسي-، وتختلف حدة هذا التأثير من شخص إلى آخر، ولا دولة لم يطلها أثر كورونا إلا ما ندر، ولا قطاع سلم من تأثيرات هذه الجائحة في الدول التي اجتاحتها، وقد شهدت بعض القطاعات تأثيرات قوية إلى الحد الذي شلَّ حركتها، ولم تعد تقوى الحراكَ، كقطاع الطيران مثلًا.
ومن بين القطاعات المتأثرة قطاع التعليم، وهو أحد أهم القطاعات التي يتأثر العالم جميعه بتأثره، فقد شُلَّتْ حركة التعليم في بدايات الجائحة في معظم بلدان العالم، وأصبح التعليم في وضع حرج يحتاج للتدخل العلاجي السريع، وإيجاد الحلول المناسبة لاستمراره، فتوقف التعليم يعني أنّ مجموعة من العلوم والمعارف والمهارات التي يتلقّاها المتعلّم في فترة عمرية معيّنة سوف يفقدها، ونتيجة لذلك فقد يتأخر فكريًّا، أو قد تتكوّن فجوة معرفيّة بين معارفه في السنوات التي اجتاح فيها العالم كورونا، لكنّ القائمين على هذا القطاع أدركوا في وقتٍ مبكّر، أنَّ أثر هذا التوقّف ليس بالهيّن، فشرعوا في وضع الحلول الناجعة التي تُعيد المتعلّم إلى مقاعد الدراسة تقنيًا، وجعلوا يسخِّرون المنصّات التعليمية للمستويات الدراسيّة من الحلقة الأولى حتى المرحلة الجامعيّة، وانتظم المتعلمون كل في مرحلته، على الرغم من كم الصّعاب التي واجهتها العملية بادئ الأمر.
لعام كامل والعملية التعليمية تُدار من خلف الشاشات، واستطاع الجميع التغلبَ على المشكلات التي اعترضت العملية بدءًا من المسؤولين وانتهاءً بالمتعلّمين، أُلغيتْ دروس الحشو، وقُلِّصتْ ساعات الدراسة، كل ذلك من أجل أن يعودَ التعليم إلى الواجهة، وسار القطاع التعليمي إلى برّ الأمان، مع الاتفاق أن التدريس التقني لا يُغني عن التدريس المباشر على الأقل في بعض المواد لمرحلة عمريّة ما، وهي مرحلة الحلقة الأولى، أمّا المراحل الأخرى فشخصيًّا لا أتفق مع من يقول ذلك، فمتى زرعنا وتعهّدنا هذا النوع من التعليم عند المتعلّم من بداية الحلقة الثانية، وأشعرناه بقيمة هذا النوع من التعلّم، فحتمًا ستبهرنا نتائجه على النحو الذي لا نتوقّعه، وبعيدًا عن ذلك فإننا وُضعنا تحت ظرف قاهر لا يُمكن معه متابعة التعليم على النحو الذي ألِفْنَاه، فجاء التعليم الإلكتروني وما صاحبه من التغييرات على مختلف الأصعدة، وسارت العملية التعليمية – لا نقول على النحو الذي أُريد لها- بشكل سلس ومقبول إلى نحو ما.
وبعد أن كشف الله البلاء الذي حلّ بالعالم، وبدأ انحسار الجرثومة التي غيّرت معالم العالم، وأوشك العالم على رفع راية الاستسلام في وقت من الأوقات يعود التعليم إلى سابق عهده، ويستعيد الطلاب مقاعد الدراسة، وتستردُّ وزارة التربية والتعليم واقعها المرَّ الذي يبدو أنها لا تريد تغييره، على الرغم من الصعوبات التي واجهتها في إحلال التعليم الإلكتروني بداية، وكأنها لا تريد أن تتعلم من كورونا، فها هي تُعيد الطلاب إلى المدارس بالنسبة الكاملة، مما يعني حشد الأعداد الكبيرة في الفصل الواحد، وهذا مما يؤثر في جودة التعليم، وها هي تُلغي التعليم الإلكتروني عبر المنصّات التعليمية – وإن لم يُلغَ صراحة، فآليّات تنفيذه لا تتفق والوقت- مما يعني مواجهة المشكلات نفسها في حالة عودة الفايروس أو غيره لا سمح الله، ويعني أيضًا قصور الرؤية المستقبليّة في إحلال التعلّم الإلكتروني والاعتماد الدائم على التعلّم التقليدي، وها هي تعيد زمن التعلّم الذي يبدأ من السابعة صباحًا إلى الثانية مساءً في حصص يصل عددها إلى ثمان، مما يعني غَلَبَة الكم على الكيف، وكثير مما عادت إليه وزارة التربية والتعليم لا يصبُّ في مصلحة التعليم، ولا يسع المجال لذكرها في مقال.
كل ما ذُكِر من مشكلات قد تكون حلولها في إبقاء جزء من التعليم يستند على التعلّم الإلكتروني، كالذي اعتمدته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في بعض الجامعات والكليّات، باعتماد نسبة لا تقل عن 30% من التدريس على التعلم الإلكتروني، سواء على مستوى المقرر الواحد، أو على مستوى المقررات بشكل عام، أو على مستوى السنوات الأكاديميّة، فقد أدركت هذه المنظومات التعليمية أهميّة إبقاء هذا النوع من التعليم.
همسة أخيرة في أذن وزارة التربية والتعليم، تنتشر الآن موجة أخرى جديدة على مستوى دول كبرى، ندعو الله تعالى أن يحفظَ بلادنا وبلاد المسلمين منها.