المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
إعداد: –
أحمد بن علي المقبالي
الجزء التاسع والعشرون: –
مقالنا اليوم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن الهجمات العمانية على البرتغاليين عند مدخل البحر الأحمر.
– كانت السيطرة البرتغالية ترتكز على سياسة إغلاق المضايق لتحقيق السيادة والسيطرة التامة على التجارة في البحر الأحمر والخليج العربي، وتتضح هذا السياسة في رسالة ألفونسو دي البوكيرك إلى الملك البرتغالي في ٢٥ أكتوبر عام ١٥١٤م أكد خلالها على سياسة بوكيركية لاقت نجاحاً واضحاً.
– كانت السياسة البرتغالية تقضي بإبعاد كل المنافسين لها من مناطق نفوذها، ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً، فسرعان ما دخلت قوىً عالمية المنافسة على تجارة المنطقة مع البرتغاليين، ففي عام ١٦١٨م تمكن البريطانيون من الحصول على موافقة لإقامة وكالة تجارية في ميناء مخا اليمني، وقد استطاعوا ممارسة نشاطهم التجاري في منطقة البحر الأحمر بحرّية تامة، أما الهولنديون وهم المنافس القوي الثاني للبرتغاليين فقد ركزوا جهودهم التجارية على ميناء الشحر اليمني.
– ونتيجة للضربات القوية التي يوجهها الأسطول العماني للأسطول البرتغالي، مع عدم مقدرة الأخير على الرد ولإدراكه للخطر الكبير الذي تشكله البحرية العمانية عليهم لجأ البرتغاليون لسياسة القرصنة، وكان أنسب المواقع لهذه السياسة هو مدخل البحر الأحمر وجنوب الجزيرة العربية، حيث يمكن من خلال هذه المواقع قطع الطريق على الأسطول العماني القادم من شمال الخليج العربي ومتجهاً إلى الشرق الأفريقي.
– لم يقف العمانيون مكتوفي الأيدي حيال سياسة القرصنة البرتغالية؛ ولذلك باشروا بواجب تأمين منطقة البحر الأحمر من الوجود البرتغالي حتى تكون رحلاتهم إلى الممتلكات العمانية في شرق أفريقيا مؤمّنة وبعيدة عن المخاطر، خاصة السفن التجارية، لذلك خاضت البحرية العمانية معارك ضارية ومميتة مع الأسطول البرتغالي في منطقة مدخل البحر الأحمر.
– عام ١٦٥٩م قام الإمام سلطان بن سيف الأول اليعربي بضم إقليم ظفار لعمان لأن هذا الاقليم يمتلك أهمية عسكرية وتجارية استراتيجية لمن يسيطر عليه، حيث يقع على طريق خطوط الملاحة المتجهة إلى شرق أفريقيا، ويمكن استعماله كميناء مؤمن وحيويّ في حال تعرُّض السواحل العمانية لحصار من الأسطول البرتغالي.
– عام ١٦٦١م انطلق أسطول برتغالي من جوا باتجاه عدن، فهاجموا ميناء مخا وحاول اليمنيون التصدي لهم ولكن استطاع البرتغاليون الانتصار بعد أن دمروا السفن التي تصدت لهم، وأخذوا بعض الأسرى واتجهوا إلى باب المندب، وأخذوا يعتدون على السفن المارة بالمنطقة، ثم اتجهت حملتهم إلى سواحل حضرموت وواصلوا ممارسة هوايتهم المفضلة من قتل وسلب ونهب لكل ما واجههم من سفن ومدن.
– عام ١٦٦٧م قام الأسطول البرتغالي بضرب حصار على منطقة باب المندب، واستطاعوا ولمدة ثلاثة أشهر إجبار السفن المارة من هناك بدفع الضرائب، كما تم الاعتداء على سفن أخرى، فهم أينما حلّوا يعيثون فساداً.
– عام ١٦٦٨م تم توجيه أسطول عماني مكون من سبع قطع بحرية كبيرة، وكان هدفها الرئيس هو فكّ الحصار البرتغالي عن باب المندب، واشتبك الأسطول العماني مع البرتغاليين وانتصر عليهم، وتم فكّ الحصار عن المنطقة وقام العمانيون بتمشيط المنطقة من السفن البرتغالية، واستطاعت القوات العمانية الاستيلاء على حمولة ثلاثة مراكب برتغالية تجارية كانت قريبة من ميناء مخا اليمني، كما تم قتل العديد من البرتغاليين أثناء الاشتباكات والمعارك.
– وصلت معلومات مهمة إلى الإمام بأنَّ البرتغاليون يحاولون إحياء تواجدهم في منطقة مدخل البحر الأحمر وبشكل خاص جزيرة سوقطرة، وأنَّ حاكم الجزيرة يتعاون معهم فقام الإمام بتوجيه قطع منذ الأسطول العماني لإفشال الخطة البرتغالية، فتمت السيطرة على الجزيرة وإلقاء القبض على حاكمها، وواصلوا هجومهم على سواحل بلاد المهرة لتبعيتها لسوقطرة ولتمشيطها من القوات البرتغالية.
– ١٦٦٩م توجه الأسطول العماني لمهاجمة القاعدة البرتغالية بالقرب من ساحل عدن، فالتحم الأسطولان في معركة شرسة وحامية الوطيس، وقد اختلف المؤرخون في نتائج هذه المعركة ويرجح القول إن العمانيين انتصروا في البداية ولكن البرتغاليين صمدوا واستطاعوا الانتصار على العمانيين، ولكني أرجح الانتصار العماني الحاسم والكبير بدليل أن كل معارك الأسطول البرتغالي بعد هذه المعركة كانت ضعيفة، والانتصار للأسطول العماني محسوم منذ البداية، وهذا يدل على الضربة الموجعة والقاسية التي تلقّاها البرتغاليون على يد الأسطول العماني الذي قدم حوالي ٢٠٠ شهيد في هذه المعركة الدامية.
– عام ١٦٧٠م هاجم أسطول برتغالي مكون من سبع سفن ميناء مخا؛ وذلك للانتقام من حاكمه الحسن بن المطهر بن محمد الجرموزي لتراخيه أمام الهجمات العمانية عليهم، وبعد أخذ وردّ هاجم البرتغاليون المدينة وتصدى اليمنيون لهم، ورغم تكبدهم خسائر فادحة إلا أن البرتغاليون لم يستطيعوا احتلال المدينة، وما أن وصلت أنباء الهجوم البرتغالي حتى بادر الإمام سلطان إلى إرسال المساعدات للمقاومين في ميناء المخا مما كان له الأثر في الصمود اليمني.
– عام ١٦٧١م استطاع البرتغاليون احتلال جزيرة سوقطرة وإنشاء قاعدة عسكرية في قرية قشن، ومنها أخذوا يشنون الهجمات وعمليات القرصنة على سواحل حضرموت وباب المندب، كما تم توقيع اتفاقية بينهم وبين الحسن بن المطهر تسمح لهم بحرية ممارسة التجارة مع بلاده.
– عام ١٦٧٢م وقعت هدنة بين العمانيين والبرتغاليين كانت عبارة عن استراحة لالتقاط الأنفاس وإعادة التسليح والخطط والاستراتيجيات والأهداف، ولكن في العام التالي أي عام ١٦٧٣م نقض البرتغاليون الهدنة بمهاجمة مسقط، وقد ردّ الأسطول العماني عليهم مباشرة بأن قام باكتساحهم في منطقة باسين الهندية.
– عام ١٦٧٤م اكتسح الأسطول العماني القاعدة البرتغالية في قشن بجزيرة سوقطرة وطارد السفن البرتغالية إلى باب المندب، كما تم إرسال قوة من الأسطول العماني لترابط في منطقة باب المندب لمراقبة السواحل اليمنية، وتم تكثيف وجود الأسطول العماني عند مدخل البحر الأحمر لمنع القرصنة البرتغالية في المنطقة وتعرّضها للسفن التجارية.
– ١٦٧٥م وصلت قطع من الأسطول العماني إلى سواحل حضرموت وباب المندب، وهذا يدل على أن نتائج معركة عام ١٦٦٩م أثرت بشكل كبير جداً على الأسطول البرتغالي، وأنَّ العمانيون أنزلوا بهم هزيمة ماحقة، وبذلك أصبح الأسطول العماني سيد المنطقة دون منازع.
– الجدير بالملاحظة بأن الأسطول العماني كان على اشتباك دائم مع البحرية البرتغالية في كل مكان يتواجدون فيه، في الهند وفارس واليمن وأفريقيا، وكل مكان للبرتغاليين تواجد فيه؛ لذلك كان البرتغاليون يستغلون تواجد وانشغال الأسطول العماني في المناطق البعيدة ليهجموا في مناطق أخرى، ولكن الاستراتيجية التي اتبعها العمانيون في توجيه الضربات الموجعة حسمت المعارك لصالحهم.
– ومن الملاحظ كذلك انحياز المؤرخين الأوروبيين والبريطانيين بشكل خاص إلى أبناء عمومتهم البرتغاليين، وذلك بالتقليل من الدور العماني الحاسم والقوي والكبير في هزيمة البرتغاليين وتحرير مناطق النفوذ العماني منهم.
مقالنا القادم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن المواجهة العمانية البرتغالية في شرق أفريقيا ومحاولات العثمانيين مواجهة البرتغاليين.
المصادر: –
– المقاومة العمانية للوجود البرتغالي
في الخليج العربي والمحيط الهندي
(( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
المؤلف: –
أحمد بن حميد التوبي
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف: –
د. أيمن محمد عيد
– دولة اليعاربة
المؤلف: –
د. عائشة السيار