المعاني السامية في الوطنية
عبدالله بن حمد الغافري
Alssedq@hotmail. com
الحمد لله رب العالمين الذي جعلنا إخوة في الله متحابين ويسّر لنا أمر الدنيا والدين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مر إعصار شاهين بالبلد العمانية المباركة بقدرة الله سبحانه وتعالى وبمشيئته فكان ما كان من أمور فرضتها المياه الجارفة إلى العديد من مدن وقرى سهل الباطنة الخصيب في صحم والخابورة والسويق وبعض الأجزاء من المصنعة، وقد قدّر الله جلّ في علاه وما شاء فعل، والكون كله في قبضته سبحانه فهو يصرفه كيف يشاء وهو الحكيم العليم ذو العدل المطلق الذي ينتفي عن جلالته كل ظلم أو جور في حق عباده وهو الرحيم الغفور.
ولكن وما إن انكشف ظلام تلك الليلة الإعصارية إلا وتنكشف سواعد أهل عمان من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها معلنة أن عمان عظيمة بشعبها وأن يد الله مع الجماعة وأن الأمة العمانية المسلمة جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وأن الابتلاء واقع على الجميع، ففئة تقابله بالصبر على الضراء والرضا بالقضاء وأخرى تقابله بالشكر على النعماء ومد يد العون والوفاء فعمان يد واحدة في مواجهة كل تقلبات الزمن ونوائب الدهر والله غالب على أمره، وليتخذ منّا شهداء يشهدون على صدق الإيمان والروح الوطنية العالية وأننا كلنا في سفينة واحدة وأننا العون والسند لأهالينا في كل مكان مهما تكن من أحداث.
صورة النفرة الوطنية لنصرة المتضررين تعجز عن وصفها الكلمات وتخرس عن تبجيلها ألسنة الشعراء ويجف مداد الكتّاب عن بيانها.
فإن كانت مطابخ قد جُرفت فما تزال هناك قدور كبيرة في مطابخ أخرى تقدم أشهى المأكولات فنحن أهلون وإن تعددت مطابخنا.
ومهما ساحت من فرش وأثواب فالنسّاج العماني ما يزال يشبك خيوطه ليصنع أحلى الأثاث ليقدمه لأهالينا المتضررين فلا نوم يهنأ لعين وهناك من لا فرش له.
وإن كانت بيوت قد استضافت طينة أرضنا فلم تزل سواعد الطين تنظف أرضيات بيوتنا وحاراتنا كي ينعم الجميع بالسكن المريح والمأوى الجميل.
بعزم الرجال وبقوة الإخاء والترابط على ما يحبه الله تعالى ويرضاه تتحول المحنة إلى منحة؛ وها هي سواعد الرجال والنساء والكبير والصغير والقريب سكناً والبعيد تتكاتف لتنفض غبار الإعصار عن كل شبر من أرض عمان؛ سواعد تجردت من ألقاب أصحابها ووظائفها فنجمة الضبط وشارة العريف وقبّعة الشرطي وعمامة الشيخ وكمة الشاب وحجاب الخدر كلها تمسك بمكنسة أو بحبل أو بمنشار أو تقود سيارة إغاثة أو تحمل حقائب المؤن.
الصغير والكبير الغني والفقير ذو المنصب العالي والعامل والوضيع ربما يلتقون جميعاً في بيت من لا يعرفون، وهم لم يتعارفوا إنما عرف بينهم الهدف الرباني والإنساني والوطني الكبير وهو أن الضرر مرفوع والعسر ينبغي أن يتحول يسر، فعسر شاهين قابلته آلاف يسر من أبناء عمان الأوفياء وإن كان (لن يغلب عسر يسرين) كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن عسراً واحداً لن يغلب كل هذا الكم الهائل من اليسر على يد أبناء الأرض الواحدة والملة الواحدة والدين الواحد، فلله درّكم يا أبناء وطني عمان العزيزة فقد جاء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على لسان أمّنا عائشة الصدّيقة بنت الصدّيق (ليكثرن روّاد حوضي من أهل عمان).