2024
Adsense
مقالات صحفية

الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين (3)

د. إنعام بنت محمد المقيمية

لقد كشفت العديد من الدراسات أن مشكلات الموهوبين لا تعرّض استعداداتهم الفائقة للذبول والتدهور فقط، وإنما تهدد أمنهم النفسي وتولد داخلهم الصراع والتوتر، كما تفقدهم الحماس والشعور بالثقة، وقد تنحرف مقدراتهم المتميزة لتأخذ مساراً عكسيا مضراً لهم ولمجتمعهم، وغيرها من الضغوطات التي قد تنبع من وجود معتقدات غير منطقية تدور حولهم وحول مواهبهم، وما يتبعها من ممارسات قد تشكّل ضغطاً على مثل هؤلاء الطلبة ولا تسهم في تلبية حاجاتهم، مما قد يؤدي إلى نشوء عدة مشكلات انفعالية واجتماعية وأكاديمية، فالطلبة الموهوبين يحاولون دوماً أن يكونوا جزءاً من المجتمع من خلال اندماجهم مع أقرانهم وأفراد أسرهم، ولكن موهبتهم تَحُول أحياناً بينهم وما يريدون؛ مما يجعلهم غير قادرين على مسايرتهم وهذا كثيراً ما يسبب لهم ضغطاً كبيراً ويشعرهم بالوحدة والعزلة، وهذا يؤدي في النهاية إلى فقد الثقة بمهاراتهم وقدراتهم التعليمية، وفيما يلي بعض المشكلات التي تواجه الموهوبين المتفوقين دراسياً:
المشكلات الشخصية: في مقدمة المشكلات الشخصية التي تعوق مسيرة الموهوبين والمتفوقين عدم التناسب بين مستويات النضج العقلي والنضج الانفعالي والوجداني أو الجسماني لديهم بما يزيد شعورهم بالقلق وعدم الرضا عن أنفسهم، حيث وجدت بعض الدراسات ثلاثة أنواع من الاكتئاب قد يصاب بها الموهوبون، مما دعا لتأكيد ضرورة فهم مشاعرهم والعالم من حولهم وفهم أنفسهم، وأكدت أن الاكتئاب الوجودي وراء ارتفاع نسبة الانتحار بينهم، إذ يميلون إلى سؤال رجال الدين عن سبب الوجود والشعور بالاغتراب والرغبة في المعيشة في مستوىً عالٍ من المسؤولية والإنجاز والأخلاق والصراع بين هذه العوامل.
مشكلات البيئة الأسرية:
كغياب الوعي بمعنى الموهبة وقلة تفهم الاحتياجات النفسية والعقلية والاجتماعية للموهوبين المتفوقين، وما يترتب على ذلك من تجاهل وإحباط لطاقات الموهوب وقدراته، فالبيئة الأسرية هي المناخ الذي ينمو في إطاره الطفل وتشكل الملامح الأولى لشخصية الموهوب، فقد يتعرض الموهوب إلى الاحتراق النفسي والإنهاك بسبب التوقعات العالية للآباء فوق قدراتهم وإمكانياتهم، بحيث يشعر الموهوبون بأنهم أقل من توقعاتهم وطموحاتهم، بالإضافة إلى ممارسة الأسرة لأساليب تربوية خاطئة، بداية من التسلط وأحياناً الإهمال التام، كما أن افتقار البيئة الأسرية للأدوات والوسائل اللازمة لتنمية استعدادات الطفل ومواهبه، مثل الكتب والأجهزة المسموعة والمرئية والأدوات العلمية والفنية المختلفة، مما يعوق قدرات الموهوب وظهور إبداعه.

مشكلات البيئة المدرسية:
المدرسة هي المؤسسة التي أسند إليها المجتمع تقدم أبنائه بشكل مقصود ومخطط وفق أهدافه وطبيعة العصر والخبرات التي تهيئ لهم النمو السويّ في جميع المجالات، وهذه الخبرات تتضمن المعلومات، طريقة التفكير، الميول، الاتجاهات، القيم، المهارات، القدرة على التفوق، ومن ثم فهي خبرات تمس بشكل كبير جوانب الطلبة الموهوبين الجسمية والعقلية والمعرفية والانفعالية والاجتماعية، وأهم المشكلات التي يعاني منها الموهوبين في هذا النطاق:
الافتقار إلى المعلم الجيد: حيث إن صفاتهم الشخصية والاجتماعية كالاستقلالية والثقة بالنفس وحب المناقشة والاستطلاع تعتبر في كثير من الأحيان مصدر إزعاج للمعلمين.
التفاعل مع الزملاء: نظراً لشعور التلاميذ الآخرين نحوهم بالغيرة لتفوقهم، وكذلك نظرتهم إليهم نظرة غريبة، فالطلاب العاديون ينظرون إلى الموهوب المتفوق على أنه مختلف عنهم فتنشأ مشكلات بينه وبين زملائه.
المدرسة: نتيجة لعدم توفر التشجيع والأنظمة المتنوعة في المدارس، وعدم وجود وسائل لتشخيص الموهوبين المتفوقين دراسياً والتعرف عليهم مبكراً مما يشعر الموهوب بالضيق والملل، ويدفعه للتمرد أو التغيّب عن المدرسة.
المنهج الدراسي: نظراً لأن المنهج الدراسي بخبراته المتنوعة وُضع ليتلاءم مع القدرات المتوسطة بشكل عام، فهي لا تثير حماس الموهوبين ودافعيتهم للتعلم.
أساليب التقويم: والتي لا تقيس سوى مهام محدودة وضيقة، وغياب الأساليب التي تفسح مجالاً أوسع للتفكير الإبداعي والناقد، كالتقويم الأصيل (الحقيقي) والتقويم الذاتي.
انعدام الاختيار والتوجيه التربوي والمهني: فالموهوب المتفوق يشعر بأنه قادر على النجاح في أيّ دراسة أو تخصص أو مهنة، وبأنه يميل إلى عدد كبير منها؛ وهذا يكوّن لديه صراعاً نفسياً يشعره بالضياع.
ومما سبق يتضح أنه لدى الموهوبين من السمات والخصائص ما قد يعرضهم للمشكلات أو يوقعهم في مواقف صعبة مع أنفسهم والآخرين، لذا يقع الموهوب تحت سيطرة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي تسهم في التأثير على قدراتهم الإبداعية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights