الثلاثاء: 7 مايو 2024م - العدد رقم 2131
مقالات صحفية

إعادة الهيكلة لشركة متعثرة ( 6 )

يوسف عوض العازمي

” إلقاء موعظة بتصرفاتك أفضل من إلقائها بشفتيك “

( اوليفر جولد سميث )

يعرف عن الاستثمارات العقارية بشكل عام بأنها طويلة المدى، شبه ثابتة العوائد، هنا أحدثك عن استملاك محفظة لعقارات معينة ذات دخل شبه ثابت، وتحقق نسبة مئوية معقولة من العوائد سنويا” (النسبة المتداولة عالميا” بين 10% إلى أعلى من 20% تقريبا” و هي نادرة)، هناك أيضا” المضاربة بالعقار، ويشمل ذلك البنايات بأنواعها سكنية أم تجارية أو استثمارية، وكذلك الأراضي، وبالطبع الشقق السكنية، وهي الوحدات التي تلقى رواجا” بحسب البلد و ظروفه.

نرجع للشركة المتعثرة وقطاعها العقاري المتدهورة أحواله، منطقيا” من الصعب ان تجد استثمارات دخل ثابت عقارية تخسر، إلا بظروف نادرة، وغالبا” تتعلق بنقاط معروفة منها الشراء في وقت الارتفاع (سواء بقيمة العقار أو الإيجارات)، عند البداية بفحص القطاع العقاري بالشركة والذي أصبح مع الهيكلة الجديدة إدارة العقار، ثمة أمور أثارت استغراب المستشار القائد وفريقه:

▪قسم البيع والشراء متوقف النشاط منذ أكثر من سنتين، رغم وجود أكثر من عشرة موظفين بالقسم!
لم يكن الأمر قرار أعلى أو نقص بتوفير السيولة، إنما “وجهة نظر” رئيس القسم!

▪قسم إدارة العقار تم تحويل عمله بالكامل لقسم الصيانة و التشغيل، وبقي الموظفون السبعة كما هم والقسم كما هو!

وجد عدد من الأراضي لم يتم عمل مخططات بناء لها رغم وجود توجيه خطي منذ أكثر من سنتين، وأيضاً بحسب وجهة نظر رئيس القسم الذي هو نفسه رئيس قسم البيع والشراء!

▪قسم الصيانة و التشغيل في الحقيقة مجرد مسمى، والواقع أن أفراده مؤجرون من شركة أخرى، ويوجد عدد أحد عشر موظفاً يتسلمون رواتب بدون عمل حقيقي (بعد التدقيق تبين أنهم يعملون مع الشركة المؤجرة براتب غير الراتب الأساسي المصروف من الشركة!)

▪تبين أن رئيس قسم الصيانة والتشغيل الذي وجدت عليه ملاحظات كثيرة، هو ذاته صاحب الشركة المؤجرة للصيانة والتشغيل، وهو كرئيس قسم يراقب في الحقيقة نفسه كصاحب شركة مؤجرة!

▪تبين أن مجلس إدارة الشركة يعلم وبالتفصيل بفحوى هذه الأمور!

ثم طلب المستشار التفتيش المالي، فوجد مبلغاً معقولاً في الحساب، إنما غير المعقول أن المبلغ الذي منطقياً يكفي و يوفي أيضاً ظهر إنه أقل من المطلوبات، وتبين أيضاً أن من يطالب الشركة بديون خارجية هو ذاته بشحمه ولحمه رئيس قسم الصيانة والتشغيل!

تم بعد ذلك طلب التحقيق العاجل مع رؤساء الأقسام، وبعد التحقيق وظهور تجاوزات أخرى، وبعد مفاوضات سريعة وسهلة (كانت الأمور واضحة جداً، والتجاوزات على مرأى الجميع)، قرر المستشار القائد مايلي:
▪بعد موافقة جميع الأطراف تم الاتفاق على أن:

_ تتنازل شركة الصيانة والتشغيل المؤجرة عن جميع المستحقات الواردة في المستندات.
▪ يقدم رئيسا قسم البيع والشراء وقسم الصيانة والتشغيل استقالتيهما، مع توقيع رسمي بالتنازل عن جميع حقوق نهاية الخدمة، والتنازل كذلك عن راتب شهرين.

▪قرر المستشار القائد رفع جميع إجراءات تأجير العمالة للشركة المؤجرة، وإعادة العمالة للشركة للعمل مع خصم راتب شهر كامل من كل عامل.

▪تم رفع توصية لرئيس الشركة للبدء بعمل مخططات بناء للأراضي المملوكة للشركة مع تقديم اقتراحات التمويل إن حصل مجالاً له.

قد يستغرب القارئ القرارات السريعة والموافقة الأسرع من الأطراف الأخرى، ( لن أقول المتضررين؛ لأن المتضرر الحقيقي كان الشركة)، ذلك لأن التحقيق السريع وجد مخالفات تصل لمستوى المساءلة القانونية الثابتة، ولكن على طريقة لا يموت الراعي ولا تفنى الغنم تم الحل الودي (السريع أيضاً) الذي عقد على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، تم بعد ذلك الطلب من رئيس الشركة عقد اجتماع خاص لمعرفة كيف كان يعلم بالتجاوزات ومنذ اكثر من سنتين وهو صامت؟
بعد الاجتماع تبينت أمور نتركها لذكاء القارئ، ونذكّر بمثل قديم: من سيب حلاله .. ودعه!

بعد تجاوز الأمور سالفة الذكر، تم اختيار شركة متخصصة بإدارة الصيانة والتشغيل بعقد متوازن لمدة سنتين، تقوم هذه الشركة بمهام الصيانة والتشغيل للعقارات المملوكة للشركة ريثما يتم إعادة ترتيب الإدارة التابعة للشركة، وأعتقد مدة سنتين هي مناسبة جداً، ومن ضمن بنود التعاقد تدريب عمالة جدد ستستقدمهم الشركة على مهمات الصيانة و التشغيل، وكان عقد كما ذكرت متوازناً، روعي فيه المصلحة الآنية والمستقبلية للشركة، مع مشغل موثوق وذو CV مرموق، أما قسم البيع والشراء فقد تم إلغاؤه تماماً، وضُمت أعماله مع الإدارة الرئيسية للعقار كمكتب (لا أكثر من ذلك)، تابع نزعت استقلالية قراراته؛ ليكون منفذاً فقط لصفقات البيع والشراء المنتظرة، وأيضاً تم النظر للعقارات المملوكة وجدواها، إما بقاءً أو بيعاً أو تشغيلاً وتأجيراً وفق الخيارات المتاحة.

بالنهاية القسم العقاري في أي مجموعة تجارية كانت أو استثمارية هو الملاذ الآمن عند أية أزمات، لكن يحتاج إدارة أمينة وكفؤة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights