خلفان بن ناصر الرواحي
إنها حروف الضّاد الساكنة والمتحركة، المضمومة والمفتوحة والمكسورة، إنها ملكات تشكيل روائع الكَلِم، وبديع البيان وسحره، وجمال المعاني لأصحاب القلم والنور المبين، تتشكل وتتطوّع حسب مواهب صاحب الفكر والأدب، وتنبسط كانبساط الأرض ذُللاً بجماليات تراكيبها لانبثاق الكلمات وتفاصيل المعاني…
إنها حروف لغة الضاد بأبجدياتها الحاضرة بالروح، والقلم، والورق بصفحات الكتب، وبرونق لوحة الخيال بفرشاة الرسامين، وأصحاب الخطّ واليد البارعة، إنها شجرة ظلّها دائمٌ، وثمارها يانعةٌ تأسر العين والقلب معاً، وتسيل لُعاب العاشقين للكلمة…
فهكذا أراها من منظوري الخاصّ، فهي بمثابة المعشوقة التي تحاكي خلجات قلوب البشر لمن يميل قلبه إليها، ويتغزّل الشعراء بجمالها لِما أصابهم من سهم العشق، فهي بالنسبة لي تفاصيلٌ دقيقة لكل مفردات فِكري المدفون الذي كان مخبأً في سراديب ملهيات الحياة، وكسب المعيشة من أجل بناء الأسرة، وحياة رغيدة ومستقرة.
لقد عاد العشق وانبثق النور من جديد؛ ليُحيي ويرمّم ما أفسده زمن الشتات، وعدم الاهتمام، واللامبالاة بكنز البيان، فبقي مدفوناً زمناً طويلاً وفات الكثير، وبقي الفُتات؛ لنلملم ما تبقى منه، ونجمع الحروف بمفرداتٍ خجولة…
فهنا تفاصيل جماليات المعاني لكل حرفٍ منها من نسيج خيالي، فحرف الألف (أ) هو انتشال النفس من وحل التقوقع والبقاء في المجهول إلى الظهور والكتابة، بروح العزيمة بحرف الباء (ب)، إلى توقُّد الروح من منطلق حرف التاء (ت)، وثبات العزيمة بثباتِ حرف الثاء (ث)، وجمال اختيار الكلمات من أُمهات الكتب بحرف الجيم (ج)، حرصاً منّا لاتّساع الفكر بقيادة حرف الحاء (ح)، لننتقل بحرف الخاء (خ) لاكتساب خبرة المبدعين بانتقاء بديع الأدب، وبتوهّج حرف الدال (د) دائماً…
ونراجع جماليات حروف الضاد ذوداً عن لغتنا الجميلة من ذود حرف الذال (ذ)، رافعين بحرفي الراء والزاي ( ر، ز) راية العلم زاداً لنا، وكأننا نحمل معنا حرفَي السين والشين (س، ش) سراجاً أو شعلة لنوقد الهِمم؛ لتستنير عقولنا ليلها ليكون صبحاً وضياءً بسلاح حرفَي الصاد والضاد (ص، ض)، طلباً للعلم وظفراً به، متكئين بعصيّ حرفَي الطاء والظاء (ط، ظ)، عبوراً لجسر الصعاب من غصة الوهم إلى الواقع الحرِّ باحترافية حرفَي العين والغين (ع، غ)، وفِراراً من الجهل والعزلة إلى قولٍ مفهوم، وكَلِمٍ موزون بحروف الفاء والقاف والكاف( ف، ق،ك)؛ لنُسعد أنفسنا بنيل مراتب النُّبلِ، منتشلين من المجد باللغة الفُصحى نجاح الكلمة والحرف بحروف اللام والميم والنون (ل، م، ن)، لنختم معاني حروف الضاد بمعانيها الجميلة وحسب مفهومنا الخاص بحروفها المتبقية الهاء والواو والياء (هـ، و، ي)، ونقول هنيئاً لكم ورَثة لغة الضاد، ويداً بيد لننهل معكم من جماليات حروف الضاد والعلم.
