كن أنت راضيا عنه
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
حكى قصة ابنه ذي الخمسة عشر عاما بحرقة وألم، وقال متحسرا: وفرت له كل ما يحتاج إليه من أنواع الأجهزة الالكترونية، ومنها الآيباد، ولم أكن أجلس معه كثيرا، ولا أراقب استخدامه للأجهزة، ولا أعرف نوعية البرامج التي اشترك فيها، ولا من هم الذين يتواصل معهم ويخاطبهم عبر هذه الأجهزة في ذلك العالم الافتراضي، حتّى انصدمت بعد تلقي اتَصال يخبرني بأنّ ابني يتعاطى المخدرات، ويروج لها! اتّصال هزّ كياني، في البداية لم أستوعب الخبر من هول الصدمة، ولا تفاصيل القصة، وأيقنت أنّ التربية هي حجر الزاوية في حياة أبنائنا، وليس شرطا أن يكون ابنك راضيا عنك كأب؛ بل أن تكون أنت كأب راضيا عن ابنك.
التربية ليست بتوفير كل ما يطلبه الأبناء، وإن كانت هذه الأشياء التي يطلبونها ليس لها قيمة، فالتربية علم واسع وفن، ولكل فن فنان، وليست شعارات تقال، ولا دورات تدريبية تؤخذ، بل هي عالم واسع تختلف طرقها وأساليبها من أسرة لأسرة ومن مجتمع لآخر، وهي القالب الذي تصنعه أنت لابنك، فما يصلح لابن غيرك ربما لا يصلح لابنك، فلا تحاول تطبيق التربية كما تراها بعيون الآخرين، أو بما تسمعه من المنمّقين لها، ولا تحاول تقليد ما يفعله البعض من أولياء الأمور، ولا تقارن أبناءك بأبناء غيرك، فالتربية هي أن ترى ما يحتاجه أولادك وبما يتناسب مع مبادئ الدين الإسلامي والعادات والتقاليد، ومع ظروفك وإمكانياتك، فليس من الضروري عندما يشتري أخي جهاز هاتف نقال لابنه وهو بالصف السادس أن أقلده أنا بحيث أشتري نفس الجهاز لابني، فصدقني عزيزي ولي الأمر إنّ مفهوم التربية الحديثة الذي يتغنى به البعض هو مجرد شعارات زائفة، فالتربية هي التربية مهما تغير الزمن، فلا توجد تربية قديمة وتربية حديثة، فثوابت التربية ثابتة ولا تتغير حسب المجتمع الذي تعيش فيه، والذي يفرق بين الحديث والقديم في التربية هو انشغالنا عن فلذات أكبادنا بصورة كبيرة، ولا نعيرهم الاهتمام والنصح، فقط مجرد لقاءات عابرة في أروقة المنزل، ومن يقول لك بأن التربية الحديثة مرتبطة بالتطور العقلي والتكنولوجي، ومبنية على أساس الحرية والتفاهم فهو صادق بشرط أن تكون هناك حدود معينة وليس ترك الحبل على الغارب، فالتطور التكنولوجي لا يعني أن يمتلك ابني هاتفا نقالا وهو بالصف الرابع، وعندما تسأل ولي الأمر لماذا يمتلك ابنك الصغير هاتفا؟ يقول وبكل برود: تطور الزمن وتغيرت الأمور، والآن جميع الأطفال يمتلكون هواتفا، من هنا تعلم بأن الأبناء في خطر كبير وبالذات إذا لم تكن هناك مراقبة مستمرة لهؤلاء الأبناء.
يقول الله عزوجل في كتابه الكريم ” وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي“، فكل نظريات تربية الأبناء وممارساتها تبقى ناقصة ما لم يكن ولي الأمر هو الذي يطبقها على أبنائه وبما يرجع بالنفع عليهم.