نزاهة العلاقات الإنسانية
عبدالله بن حمدان الفارسي
العلاقات الإنسانية السامية بمختلف مسمياتها وأهدافها، من الجميل أن يتحلى الإنسان بها ويتقلد صفاتها ويرتدي ثوبها، فهي بمثابة النبراس والسراج المنير الذي من خلاله يهتدي به وإليه الناس للوصول لمن يتمتع بالصفات والسمات التي ذكرت، وعلى هذا النحو والسلوك الذي يلتمسه منك وفيك الآخرون تتوطد علاقتك بهم، بخلق روح الثقة بينك وبينهم، وكلما ازدادت ملامح الثقة أزهرت وازدهرت وتنورت علامات الرضى والمودة بينكم، وتوثقت الروابط واشتد عضدها وكثرت المعاملات والمصالح المتبادلة معهم، لتصل أحيانًا إلى مستوى عدم التوثيق الرسمي والتدوين للمعاملات في الأماكن المتعارف عليها لمثل هذه الإجراءات، وذلك نظراً لحجم شجرة الثقة وامتداد فروعها وجذورها، واتساع رقعة الارتياح النفسي.
ما أود قوله إن الصداقة لا تتكون ولا تبنى إلا على ركائز الثقة، والثقة لا تستنبط ولا تستمد دعائم قوتها إلا من الصداقة، إذاً لا صداقة بدون ثقة ولا ثقة من غير صداقة.
إن الصداقة النزيهة والمنزهة دائمًا تحمل في مضمونها الكثير من السمات الراقية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر الصدق، الوفاء، الالتزام، التضحية، كتم الأسرار، النصح بما فيه الخير للصديق والإعانة على تجاوز الصعاب التي تعتري الآخر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا… الخ) حديث شريف ” صحيح الترمذي”.
ولكن من خلال مايصل لعلمنا من شتى البقاع وعبر مختلف المصادر، وما عايشنا من مشاهد اهتزت صورتها (الصداقة) بتشويه معالمها الجميلة الراقية؛ بحيث يصل بك الشعور أحياناً بالتخلي عن الإيمان بها وإلغاءها من قاموسك الخاص، مع اليقين التام بأن ما أوصلنا إلى هذه الحال بزعزعة مكانتها في قلوبنا ليس للصداقة يدٌ فيه، بقدر ما يكون ذلك بسبب البعض، ورعونة سلوكهم الذي ما يكون بعيداً عن الفطرة الإنسانية وعفويتها، فقد اُنتهِكتْ أعراض، وسُلبت حقوق شرعية، وهُدمت صوامع الشرف، وقُوِّست شوكة ميزان العدالة تحت مسمى الصداقة، ولم يكن ذلك ممكناً حدوثه إلا بوضع عمامة النزاهةِ، واعتلاء هرم النقاء، وتنميق الكلام، والتمثّل بأخلاق الأتقياء، والاختباء والتظلل تحت سقف الصداقة المخلصة، بهذه الصفات والأساليب المظللة والمعتمة نُحرت ظلمًا هذه الصفة الطاهرة بمقاصل الخداع والكذب والتزييف، مما أوصلنا لمرحلة نادرًا ما تجد فيها الصديق الذي من الممكن أن يكون هو الأخ الذي لم تلده أمك.
و المشاهد والأحداث والصراعات حاضرة تحتضنها أروقة المحاكم بين من كانوا في يوم ما أصدقاء.
إنه حقاً أمر مخزي ومؤسف، يؤلم ويدمي القلب في آن واحد، فلم تعد للشفافية والمصداقية والثقة من مكانة في القلوب كسابق العهد، نتيجة الخلل الحسي وعدم التوازن الفكري، وعدم الاستقرار النفسي، وتوقف شريان الأمان لدى الناس.
ليس من المنطق الحكم على الجميع بانتفاء هذه الصفة منهم (لو عدمت خربت)، فهناك من هم جديرون باحتضان راية النزاهة مهما اعترضتهم مغريات ومفاتن الحياة، ومنهم من يتحلى بحسن الخلق وطيب الملتقى وفيهم (…مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارࣲ یُؤَدِّهِۦۤ إِلَیۡكَ…) الآية 75 آل عمران.
ربما البعض يلتمس لمن استهوته هذه الممارسات العذر من حيث الفاقة الشديدة، أو ظروف النشأة التي عايشها.
إيماءً لما ذكرت ينبغي على المرء قدر المستطاع الحرص على انتقاء الأشخاص ليكونوا مؤهلين للتعامل معهم، أو عدم التوكل العشوائي بحيث تصل الأمور لاحقًا إلى ما لا يُحمد.
ولا خير في خلٍ يخون خليله…
ويرميه من بعد المودة بالجفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها…
صديق صدوق صادق الوعد منصفا..
الإمام محمد الشافعي.