المدرسة حياة…فوض أو قف مكانك
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للإستشارات الإدارية والتربوية.
التفويض مصدره فَوَّضَ، والجمع منه تفويضات أي: قَرَّرَ تَفْوِيضَ أَمْرِهِ لِشَرِيكِهِ و جَعْلُهُ حُرّاً فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ. والتفويض هو ما يمنحه القائد أو المدير أو غيره لفرد أو جماعة صلاحيات التصرف في بعض المهام في فترة معينه بغرض التقليل على المسؤول من الأعباء الملقاة على عاتقه، مع بقاء المسؤولية على الشخص المفوٍّض، وذلك في فترة زمنية محددة يقوم من خلالها المفوٍّض بتوفير الدعم اللازم للمفوَّض.
كقائد سوف تحكمك الأحداث التي وقعت في وجودك أكثر من تلك التي حدثت في غيابك والمديرون الأكفاء لا يؤجلون إلى الغد ما يمكنهم تفويضه اليوم والسبب الرئيس للتوتر وسوء إدارة الوقت هو ضعف الإدارة أو عدم القدرة على تفويض المسؤولية للأفراد الذين يعملون معا. فتفويض المسؤولية إلى آخرين تسمح لك بالتركيز على واجباتك كمدير، كالتخطيط وحل المشكلات والمسائل الأخرى الفعالة والفشل في التفويض سيجبرك على قضاء جزء كبير من الوقت في قضايا تافهة وإهمال الفرص الحاسمة.
إن الله – عز وجل – حمّل الأمانة للإنسان وأعطاه الخلافة في الأرض، قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًۖ ﴾ البقرة (30). وترك الله له العمارة في الأرض وتحقيق الأهداف التي رسمت له من خلال الرسالات التي تتمثل في نشر الأخلاق والقيم والمباديء الصحيحة التي تسمو بالنفس إلى مدارج الكمال، كذلك ينبغي للإنسان أن يثق بغيره ويكسبه الخبرات المتتالية التي تعزّز هذه القيم والسلوكيات الحسنة، وذلك لا يتأتى إلا بالممارسة وهي ما يمثلها التفويض.
إن مسؤولية أي شخص يعيش على الأرض هو أن يوصل للجيل الذي يليه العلم والخبرة التي اكتسبها كلما أمكن، فما أتعس البشرية إذا دفن مع كل شخص يموت العلم الذي تعلمه ( مقتبس).
لايوجد هناك ما يدعو إلى الاحتفاظ بالخبرة وعدم منحها للأولاد أو غيرهم ممن يطلبها، فالحياة إن لم تتراكم فيها الخبرات لدى الأفراد فلن تكون هناك مهارات ولن يكون هناك إنتاج يستطيع المنافسة والوصول إلى المقدمة وستظل عملية التجديد وبناء الثقة في الأفراد محدودة وضعيفة وسيخرج المسؤول دون أن يكون هناك جيل آخر يحمل الخبرات اللازمة التي تتوافر لديه وتؤهله إلى السير بالمؤسسة إلى مصاف التقدم والتطور.
إن دورنا أن نعمل على نقل الخبرة للأجيال القادمة، وذلك من أجل أن يبقى وضع المدرسة وضعًا مستقراً، ولكي نعوّد المرؤوسين من مساعدين ومعلمين على تحمل المسؤوليات، كما أن تحمل المسؤولية من قبل الفرد الواحد دون مساعدة الآخرين أو تعريضهم لتلك المسؤوليات يجعل ذلك متناقضاً مع ما أعطاهُ الله للإنسان من عقلٍ وفكر، بحيث يجب أن يعمل كلّ فردٍ على استخدامه ِوتشغيله، مما يعملُ على وجود الابتكار والإبداع، ولذلك فلن تنمو المدرسة أو تتقدم إذا عَمِلَ أعضاؤها بمعزلٍ عن بعضهم البعض أو اعتبار أنفسهم أنهم القادرين فقط، وعلى اتخاذ القرار دون غيرهم، فلو أن الحرصَ على المؤسسة يقوم بها المدير دون غيره، لأصبحت مغالطة كبيرة، إذ أنّ المدير قبل ذلك معلماً، فيعني أنه كان غير حريصا، وعندما تقلد منصبه أصبح هو الحريص في نظر غيره أو رؤسائه، من هنا كان على مدير المدرسة أن يعمل على تفويض سلطاته وإعطائها للمساعد والمعلمين الأوائل وإشراك معظم المعلمين في مسؤوليات مختلفة، لكي تكون هناك تشاركية كاملة في العمل، مما سيجعل الآخرين حريصين على الحفاظ على المدرسة والانتماء إليها.