سلطنة عُمان تحتفل بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد المجيد
Adsense
فعاليات وأنشطة النبأمقالات صحفية

متلازمة شراء الثلاجات وأشياء أخرى

خليفة السعيدي

بعيداً عن كورونا والمستشفيات، تختنق أنفاس الهواء في يوم من أيّام أغسطس المشبع بالرطوبة، تدور مروحة بالقرب من نساء متحلقات حول صينية مليئة بالتمر ينتقين منه الجيد من الرديء ويدور فنحان السوالف بينهن، ويأتي صوت عوّاش من بعيد: حد شاف منكن فرحان؟

فرحان هو رجل ستيني قد حلب الدهر ذاكرته، فإن خرج من البيت لا يعرف سبيلاً إلى الرجوع إليه، كل ما يعرفه هو التأشير لأول سيارة يراها ومن ثمّ تأجير صاحبها للذهاب لشراء ثلاجة، بيته متكدس بالثلاجات، ينظفهن ويتفقدهن كأنهن أميرات، لا أحد يعرف سرّ ولعهِ باقتناء الثلاجات فهو يضع كل أشيائه ومقتنياته فيهن من فرشاة الأسنان، أدوات الطعام وحتى ملابسه لم تسلم من التبريد. ودائماً ما يتكرر سَيل الشتائم بعد كلّ ثلاجة يشتريها من قريبته عوّاش.

المروحة تدور، تتمايل أوراق شجرة الشريش (النيم) التي تتجمع تحتها النسوة لتنقية التمر والخوض في كل شاردة وواردة، تمرّ وقتئذ فطوم وهي تحمل الماء وحبّ الشعير، فتصيح إحدى النسوة (مو الله غاضب عليها تطلع في ذي اللواهيب).

فطوم هي أرملة في أواخر العقد الرابع من العمر بشوشة الوجه، سخية اليد، محسنة للكلّ، عندما يكون الجو قائضاً والشمس ملتهبة تحمل معها الماء والحَب وتدور على الأشجار والطرق؛ لتضع الطعام والماء للطيور، وهي تردد (يالله بالجنة).

تدور المروحة آخر دوراتها بعدما أغلق مفتاحها، تحمل إحدى النسوة صينية التمر فوق رأسها، وهي تقول (يالله حريم نشلناها) وتقول أخرى (لا تنسن دعاء المجلس أسمينا حشينا اليوم). وينفضّ المجلس مخلّفاً وراءه الكثير من الكلام التافه والحسن وسكينة واطمئنان لشجرة الشريش التي أستعادت عافيتها بعد رحيل النسوة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights