2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

من يتحمل المسؤولية؟!

خلفان بن ناصر الرواحي

إنَّ الحياة الزوجية جعلها الله لتكون آية عظيمة لتسود السكينة والمودة والرحمة بين الأزواج والأسرة، وهي بلا شك لبقاء الحياة لإعمار الأرض؛ حيث يقول سبحانه في كتابه العزيز في سورة الأحزاب: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}، وقوله تعالى في سورة النبأ: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)}؛ أي: أن الله جعل البشر ذكوراً وإناثاً من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، والسكينة والاستقرار الأسري. إلا أنه من الظواهر اللافتة للنظر خلال السنوات الماضية في مجتمعنا العُماني خصوصاً، والمجتمعات الإسلامية عموماً، بدأت ظاهرة الطلاق تتفشى في المجتمع وخاصة بين جيل الشباب، حيث أن نسب الطلاق داخل المجتمع في ارتفاع مستمر، حيث تشير الإحصائيات إلى ‫أنّ عدد حالات الطلاق في السلطنة 3728 حالة في العام 2019؛ وذلك بمعدل يزيد على 10 حالات طلاق يومياً، ومرتفعة بنسبة 3% عن شهادات الطلاق المسجلة في العام 2015.‬

إنَّ مشكلة الطلاق على وجه العموم ناتجة عن عدة أسباب ويجب الوقوف عليها، ويأتي في مقدمتها الجهل في الحقوق والواجبات الشرعية لكِلي الطرفين، وعدم المبالاة من قبل بعض الأسر في التنشئة والتربية للأبناء، وعدم الاهتمام بالجوانب المتعلقة بتحمل المسؤولية، والمشاركة في بعض أعمال المنزل والاعتماد على النفس؛ لتكون لبنة وقاعدة وركيزة لبناء الأسرة مستقبلاً، فقد نجد بعض الأسر تعتمد على الأم أو الأب، أو العاملات التي تعمل بالمنزل فقط؛ وتسود حينها الاتكالية وتضيع بعض المبادىء والواجبات التي يجب أن ينشأ عليها الأولاد ذكوراً كانوا أم إناثاً. أما السبب الآخر فهو البعد عن الدين وتعاليمه، وهذا يدعونا إلى التساؤل: أين دور أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المختلفة من مواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق المجتمع وخصوصاً على مستوى الأسرة، وتشتت الأبناء، وربما انعدام مبدأ القوامة عند الرجال، وتحمل المرأة الجزء الأكبر في بعض الأحيان للمسؤولية الأسرية والتربية، وإهمال الرجل أو كلاهما تلك الحقوق والواجبات المتبادلة نتيجة الجهل وعدم الدراية بالمسؤولية.

لقد أولى ديننا الحنيف العناية التامة فيما يتعلق بتكوين الأسرةِ المسلمة واستصلاحِها، والحرص على غرس أواصر المودة والرحمة بين الزوجين، وعلى تقوية الروابط بينهما والصبر على ما يعتريهما من مواقف وتعامل نتيجة التقصير أو الجهل بعدم المعرفة والوعي بالمسؤولية بينهما، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك بالإبقاء على الحياة الزوجية والمحافظة على ذلك الرباط، ونهى عن كل ما يعرّضها للزوال، فأمر سبحانه وتعالى بالمعاشرة بالمعروف ولو مع كراهة أحدهما للآخر فقال سبحانه في سورة النساء: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}.

قد يعتقد البعض من خلال نظرته القاصرة أن الأسباب في كثرة الطلاق هي المشاكل ما بعد الزواج فقط، إلا أن الواقع يؤكد لنا الحقيقة بأن بعض الأسباب منشؤها قبل الزواج ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
عدم الاهتمام بأمر الدين والتربية وحُسنُ الاختيار بين الطرَفَين والذي يعتبر هو أساس الحياة ليتحقق مبدأ الوِفاق والوِئام والتكامُل والانسجام، ومنها أيضاً في بعض الأحيان إجبار المرأةِ على رجلٍ لا تريده؛ كأحد أقربائها الذي لا ترغَبه أو طمعًا من وليِّ أمرها في جاهِ الخاطب أو مالِه، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تُنكَح الأيِّم حتى تُستأمَر، ولا تنكَح البكر حتى تستأذَن)، وأضف إلى ذلك أيضاً ما يحدث بين المراهقين قبل الزواج من الكذبُ والتدليس من قبَلِ أحدِ الجانبين أو مِنَ الوسيطِ في الأوصاف أو الأخلاق أو الجاه والمال.

وهناك بلا شك أسباباً أخرى لما قبل وبعد الزواج لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال، ونذكر بعضاً منها أيضاً، ومنها عدم احترام كل واحد منهما لمشاعر الآخرِ، وعدم التفكير بعواقب الأمور التي تحدث ومن أهمها الأولاد ومصيرهم، وإثقال الزوج بالتكاليف إما قبل الزواج أو بعده، والجهل في الحقوق والواجبات الشرعية.
لهذا يجب علينا أن نبحث عن أسباب السعادة الزوجية قبل الإقدام على الزواج، وتبصير الشباب بأهمية ذلك، والبعد عن التفكير في قرار الطلاق قبل الإقدام عليه، واحترام كل واحد منهما لمشاعر الآخرِ، وتعظيم هذا الرباط الأسري بينهما واستشعار أهميته، والإحسان، والقيام بحقِّ الله تعالى وطاعته وامتثال أمره، فقد قال سبحانه في سورة النحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً(97)}. كما أنَّ عليهما ألا يلتفتا إلى القشورِ، وأن يتذكّرا قولَ الله عز وجل: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (237)}- سورة البقرة.

كذلك ينبغي تنبيه الزوجين بأن في حالة حدوث أمر دون وفاق بينهما، بأن يتخذا قرار حلِّهِ دون تدخلٍ من أحد، فإن استمر الشقاق بينهما فقد أمر الله تعالى بالتدخل بينهما للإصلاح، فقال جل شأنه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}. فأمر سبحانه عند تطوّر الخلاف بين الزوجين بتعيين تدخل من يتحلى بالإنصاف والعدل، أحدهما من أسرة الزوج، والثاني من أسرة الزوجة، يدرسان ملابسات الخلاف ويأخذان على حل الأمر بينهما ويسويان النزاع.

كذلك على أولياء الأمور تدارك الأمر، والاهتمام بالجانب التربوي الأسري، والتوجيه بالقدوة، وزرع مبدأ المشاركة في الرأي وتحمل المسؤولية، والمحافظة على الكيان الأسري المترابط، كما يجب تذكير الزوجين قبل الزواج بطبيعة الحياة الزوجية، فهي في الغالب لا تخلو من المكدرات ووقوع الجفاء وسوء التفاهم، وعدم المبالغة في تصوير الزواج بالسعادة التي لا ينغصها شيء، فهذا من الخيال، فحتى بيت النبوّة -عليه أفضل الصلاة والسلام- لم يسلَم من ذلك، لكنه استخدم الحكمة وهو الأسوة الحسنة لنا، فهذه هي سنّة الحياة.

وفي تقديري للأمر بأن المسؤولية مشتركة يتحملها أكثر من طرف، فأولياء الأمور لهم دورهم في التربية والتوجية ومساعدتهم في حسن الأختيار، وكذلك المقبلين على الزواج عليهم التنبه والتثقف عن المسؤوليات والواجبات والحقوق المتبادلة، وإدراك أهمية حسن العشرة، وبأنّ الجهود مطلوبة من المؤسسات ذات العلاقة والدعاة والخطباء للحد والمعالجة الحقيقة لهذه الظاهرة، وتشخيص أسباب تفشي الظاهرة التي تتقاسمها جهات عدة، ويحتاج إلى إعادة النظر لتوزيع أدوار حلِّ المشكلة من جديد.

وبلا شك إن الجهود المبذولة في هذا الجانب مشكورة، ولكنها ستكون أنضج وأثمر عبر انتظامها في سلك تنظيمي مترابط، وتضافر مؤسساتي شامل، وإن بلادنا بحول الله قادرة على ذلك بتكاتف الجميع من أولياء الأمور، ومؤسساتها، وعلمائها، ودعاتها، ومخلصيها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights