ثقافة وليست تربية
أحمد بن موسى البلوشي
قال: ما هذا؟ فردّ الآخر مستاءً: قلة تربية! حوار بين شخصين شاهدا كمية من المخلفات المتروكة في أحد المواقع السياحية؛ تكاسل مرتادي هذا المكان عن تنظيفه قبل مغادرتهم، والعجيب أن يصدر هذا السلوك من شباب الجيل المتعلم، والسؤال الذي يتبادر في الأذهان أهذا التصرف يدل على التربية؟ أم الثقافة؟
من وجهة نظري لا توجد علاقة مباشرة بين التربية وهذه التصرفات، فإذا كان صاحب الفعل صغيراً؛ لقلنا بأنّه طفل ولم يعلمه والداه الطريقة الصحيحة في التخلص من هذه المخلفات، أما عندما يصدر هذا التصرف من شخص بالغ ومتعلم فهنا المشكلة، فإن كان والداه لم يعلمانه وهو صغير الطريقة السليمة في التخلص من هذه المخلفات؛ فلابد بأنّه تعلمها من المدرسة، أو قرأ عنها في الصحف والمجلات، أو سمع عن أضرارها في وسائل التواصل الاجتماعي، أو تحدث معه شخص عن هذه الظاهرة، ولكن مثل هذه التصرفات تؤكد لنا غياب ثقافة الحفاظ على البيئة لدى شريحة من الناس، فلا نلقي اللوم على الوالدين اللذين كان لهما الدور الكبير في تنشئة أبنائهم على الدين الإسلامي والقيم والأخلاق، فالتربية كما يعرفها رفاعة الطهطاوي: “هي التي تبني خُلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمّي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير”، ولا يستطيع أحد أن ينكر دور الوالدين وقيامهم في زرع الخلق الحميد في نفوس أبنائهم منذ الصغر، وسعيهم الحثيث على تعليمهم القيم والمبادئ والأخلاق، وليس من المعقول أن يُعلّم الوالدان أبناءهم كل شيء، فالحياة مدرسة يتعلم منها، والصداقة مدرسة يكتسب منها، والتعليم مدرسة، والمجتمع مدرسة…الخ، وكلها تشكل شخصية الفرد وثقافته.
يقول (Taylor) : “بأنّ الثقافة هي نظام متكامل يشتمل على كلٍّ من المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع”، فعندما نرى مثل هذه التصرفات؛ فاعلم بأنّ صاحبها جاهل لثقافتها ولا يمتلك المعرفة المتعلقة بها، وليس عيبًا بألا تمتلك هذه الثقافة، ولكن العيب أن تُصر على جهلك لها، فيمكنك أن تتعلمها وتمتلكها، فهي شأن إنساني، وهي إحدى العمليات الهامة لبناء الإنسان ولتكوينه، وهي صفة مكتسبة وليست فطرية، فالإنسان يتعلمها ويكتسبها من سياق الحياة التي يعيشها، ومن أجمل التعريفات لها ما كتبه النجيحي بأنّها: “كل ما صنعته يد الإنسان وعقله وقلبه من أشياء ومن مظاهر في البيئة الاجتماعية”، أي كل ما اخترعه الإنسان أو ما اكتشفه وكان له دور في العملية الاجتماعية، ومن الماركات الحضارية الفخمة، والعلامات الفارقة أن يحترم الشخص بلده وبيئته بالمحافظة عليها، ويتصرف بسلوك حضاري يدل على وعيه وثقافته، فالثقافة جزء من شخصية الفرد، فلا تجعل أي شخص ينتقص من شخصيتك بتصرفات غير لائقة، فأنت تعكس صورة نفسك وبلدك للآخرين بهذه الثقافة التي تمتلكها.