الحركة النسوية الجزء الأول ”نشأة الفكر النسوي “
كاذية البيمانية
إن التقلبات التي تحدث في العالم لشاهدٌ على التغيرات الحياتية التي حدثت في جميع المجالات والتي أصبحت تحدث بدون مراعاة الثوابت الأخلاقية أو الدينية، مما زاد من شدة الانحرافات للنفس البشرية عن طريق الاستقامة التي فطرها الله عليها.
فالحركة النسوية كغيرها من الحركات السياسية أو الثقافية التي استدعى وجودها أسباباً عدة فرضتها الحالة الدينية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع، هي عبارة عن حركة اجتماعية تبحث في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق وخاصة في النواحي السياسية فقد كانت الدول الغربية نقطة الانطلاق لها، ارتبط بداية ظهورها بما استمدته من الجانب الروحي، وذلك من خلال المصادر الثقافية والدينية الغربية التي تمثلت في الديانة اليهودية والمسيحية-الحركة النسوية وعلاقتها بالأدب النسوي_، والتي وضعت صورة سلبية للمرأة وبأنها أصل الخطيئة التي كانت سبباً في عصيان آدم لربه عندما أكل من الشجرة كما هو منصوص في كتبهم الدينية، لذلك حكم الرب بسيادة الرجل على المرأة، فقد وصفوا المرأة بأنها شيطانة ملعونة ولا تستحق أن تعيش وبالتالي فليس لها مكان في الجنة، بل إنها على الأغلب من سكان النار، ومنهم من ذهب لأبعد من ذلك فقال بأنه لا توجد امرأة على هذه الأرض من لديها فضيلة تمكنها من دخول الجنة، ولم تقتصر النظرة الظلامية للمرأة على رجال الدين بل إن هناك من ساندهم من الفلاسفة والمفكرين أمثال الفيلسوف اليوناني ” أفلاطون ” الذي صنف المرأة على أنها صنف من العبيد والأشرار كما وصفها بأنها من المخبولين والمرضى، في حين وصفها “ديكارت ” من خلال فلسفته الثنائية بأنها تمثل المادة بينما الرجل يمثل العقل، ويرى “أوغست كونت ” الأب الشرعي والمؤسس للفلسفة الوضعية بأن المرأة ضعيفة في كافة الاتجاهات العقلية والذهنية منها خاصة، بينما قال” جان جاك رسو” فيلسوف الثورة الفرنسية: بأن مقدرة المرأة محصورة في الإنجاب فقط، وعرف “فرويد اليهودي” رائد مدرسة التحليل النفسي وموقفه من المرأة الذي يتضمن أن المرأة جنس ناقص لا يمكن أن يصل إلى الرجل أو أن تكون قريبة منه.
ومع قيام الثورة الفرنسية التي كان لها دوراً كبيراً في نشأة الأفكار التحريرية للمرأة الغربية، فقد ساهمت في تعزيز فكرة الاستقلال المالية من خلال الثورة الصناعية، وما تبعها من الحرب العالمية الأولى والثانية والذي خلّف الملايين من الضحايا من الرجال، فبعد أن كانت المرأة مسؤوليتها مقتصرة على العمل داخل البيت وتربية الأبناء والإنجاب، أصبح لازماً عليها أن تخرج للعمل لتدبير احتياجاتها العائلية؛ نتيجة لأن رب الأسرة غير موجود أو غير قادر على القيام بهذه المسؤولية بسبب إصابات الحرب، ومن هنا بدأت النساء الأوروبيات باستغلال التقلبات السياسية والاقتصادية فظهرت “أولميت دي جورج ” و” سارة ماب دوجلاس” اللتان تُعتبران من أوائل من برز في الحركة النسوية في أوروبا وأمريكا في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى الاتجاهات الثلاثة (النسوية الراديكالية، والنسوية الماركسية والنسوية الليبرالية)، وما نتج من اندماج وتوحد في مواقف هذه الحركات من خلال نقاط الضعف التي وجدت في كل واحدة منها، مما نتج عنه التخبط والاضطراب في سياساتها فتارة تنادي بالتحرير المطلق وتارة أخرى بحدّ حرياتها.
نتيجة لاتخاذ العلمانية أسلوب حياة مع الغرب بالإضافة إلى العداء مع الكنيسة، وغياب القيم التربوية الدينية، فقد أدى خروج المرأة إلى العمل وما صاحبه من اختلاط بين الجنسين إلى تداعيات غير أخلاقية؛ تسببت في تغيير مسار مفهوم الحرية لدى المرأة عن مساره الأولي إلى منحنى انحرافي تطورت أدواته على مر الزمن، فقد أرجعت النسويات، إن تهميش المرأة وسيطرة الرجل بسبب الجماعات الذكورية المتطرفة التي حرمت المرأة من إثبات وجودها، وبذلك تكون الحركة النسوية بمفهومها الغربي ظهرت نتيجة للفهم والتصور الخاطئ لمفهوم المرأة، من قبل رموز الفكر الغربي، التي كان لها الدور في زرع بذور الحقد والكراهية في قلوب النساء ضد الدولة ورجال الدين، مما جعلها تتخلى عن العقائد والأعراف الدينية والشرائع السماوية باعتبارها سبباً للظلم اللاحق بها.
مفاهيم الحركات النسوية:
ركزت الحركات النسوية على عدة مفاهيم في نشر فكرهن منها موضوع الجنوسة ( الجندر النوع الاجتماعي) الذي هو نتيجة سيرورة اجتماعية تحدد الأدوار والسمات في طرق متنوعة ومختلفة، بمعنى أنها تتنج من خلال السلوك الخاص بالأفراد حسب جنسهم وهي ذات دلالة اجتماعية، بينما الجنس الذي هو طبيعة بيولوجية محددة ثابتة في البنية الوراثية.
حيث ذكرت سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الآخر أن السمات الأنثوية لا ترتبط بجنس المرأة وإنما ترتبط بالحياة الاجتماعية والثقافية التي تعيشها، بمعنى أن سمات الأنوثة لا تولد مع النساء وإنما تتشكل بسبب تأثير المجتمع وثقافته السائدة، وبالتالي فإن الذات يمكن أن تكون ذكراً أو أنثى بحسب القواعد الاجتماعية ولم تشر بوفوار إلى جسم المرأة وعلاقته بسمات الأنوثة، وإنما أشارت إلى الجنوسة التشكيل الثقافي والاجتماعي المؤثر في أنوثة المرأة، بينما ألسون جاغار فتعتقد أنه يوجد تداخل معقد بين التشكيل البيولوجي والبيئة الطبيعية وبين الأنظمة الاجتماعية وكل منها يؤثر على الآخر، حيث تعتقد بأن الجنسين متساويين بإنسانيتهما، فالذهاب إلى الحرب ليس أقل طبيعة من الولادة، وبالتالي لا يمكن أن تتحقق المساواة إلا بإزالة وصف ذكر وأنثى وتأسيس الحياة الاجتماعية على وصف نوع إنساني، وهنا قد يدور سؤال عن ما إذا كان فكرة التمييز بين الجنس والجنوسة التي أقرتها معظم المفكرات في الحركة النسائية تصلح أن تكون مناسبة لنظرية فلسفية نسوية مشروعة تتعلق بالإنسانية عامة وتؤكد المساوة بين البشر.
بالإضافة إلى مفهوم الجنوسة ركزت الحركات النسوية على عبارات القهر والاستبداد والقمع والاستغلال كجزء من الموروث الماركسي، وحاول المذهب النسوي الراديكالي جعل هذه المفاهيم تشير إلى العلاقة الظالمة غير المتكافئة بين الجنسين لتحليل مفاهيم البطريركية والجنسية والعنف من قبل الذكور والموجه ضد النساء، وصرحت جاغار بأنه توجد علاقة بين مفهوم القمع والتحرير وبين النموذج السياسي التقليدي للحرية والعدالة من جهة أخرى، كما رددت الحركة النسوية مفهوم منح السلطة ليعملن على تشكيل قوة في المجتمع يحسب لها قيمتها الاقتصادية والسياسية ويكون لها قيمة اجتماعية، حتى تكون حافزاً للنساء المقموعات للتصدي لأي ظلم موجه لهن.
كما أشارت الحركات النسوية إلى مفهوم البطريركية التي تشير إلى الأب باعتباره قائد الأسرة أو القبيلة، حيث استخدم هذا المفهوم للإشارة إلى الحكم الأبوي الذي يمارسه كل من الزوج على زوجته وكل فرد من أفراد الأسرة التي يعيلها، حيث صرحت مشيل بارت أن مفهوم البطريركية له أبعاد تشمل كل أشكال هيمنة الرجال على النساء.
ويعتبر مفهوم منح السلطة من المفاهيم التي تغنت به الحركات النسوية، بحيث يعطى لهن من السلطة ما تمكنهن من تشكيل قوة في المجتمع يحسب لها قيمتها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، حيث عملن فكرة فوكو التي نادت بأنه حيث توجد سلطة توجد هناك مقاومة، هذه المبادئ ركزت عليها الحركات النسوية الغربية في مسيرتها ولجمع الدعم والتأييد لها.
فموضوع الحركات النسوية موضوع له جذور قديمة متعمقة ولأن التطورات الحضارية أضافت عليه تغييرات هائلة وانحرافات عن الفطرة بدعوى الحداثة والتجديد والحرية؛ فكان لا بد من التعرف على بواعثه وتطوراته حتى نصل إلى وصوله للدول العربية والآثار التي خلفها على المجتمع وتماسكه لذا سنتطرق في الجزء الثاني إلى نماذج من هذه الحركات.