استخدام الممحاة لمحو كل ما هو غير ملائم…
خلفان بن ناصر الرواحي
حياتنا من حولنا مدرسة نتعلم منها الدروس والعبر، ونستلهم من مواقفها استنباط ما يمكن أن يفيدنا ويسهم في تغيير مجريات حياتنا اليومية للأفضل، وينسينا بعضاً من المواقف التي لا نريد أن نقع فيها مرة أخرى، ولذلك علينا أن نحاول دائماً أن نتفكر في كل شيء متعايش ومستخدم لنعثر على ضالتنا لتهدينا إلى جادة الصواب.
وهنا تستحضرني قصة قصيرة عن القاص والروائي البرازيلي “باولو كويلو” بعنوان (قلم الرصاص)؛ التي يقول فيها؛ “كان الولد الصغير في يوم ما جالساً يراقب جده وهو يكتب رسالة. وفجأة سأله: جدي، هل تكتب حكاية حدثت لنا؟ وهل تتحدث هذه الحكاية عني؟ توقف الجد عن الكتابة وابتسم لحفيده وقال: أجل إنها قصة تحكي عنك، هذا صحيح. لكن القلم الذي استخدمه أكثر أهمية من الكلمات التي أكتبها. أتمنى أن تشبه هذا القلم عندما تكبر يا عزيزي؟
فحص الصبي قلم الرصاص بفضول عابر، لكنه لم يجد شيئًا جديراً بالاهتمام فيه. وقال: إنه قلم رصاص يا جدي حاله مثل جميع أقلام الرصاص التي رأيتها في حياتي!.
فرد عليه الجد: كل شيء يكمن يا في الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء يا ولدي، إن هذا القلم يخفي خمس صفات، إذا تمكنت من التخلق بها فسوف تجعلك إنسانا يعيش دائماً بسلام في هذا العالم.
الصفة الأولى: بإمكانك القيام بأشياء رائعة، ولكن يجب ألا تنسى أبدًا أن هناك يداً ترشد خطواتنا. هذه اليد نسميها عادة «الله» فأنت من دون شك موجه حسب إرادتها القوية.
الصفة الثانية: من وقت لآخر كما تلاحظ لا بد لي من أن أتوقف عن الكتابة لاستخدام آلة المبراة. إنها تشبه تعذيباً نلحقه بقلم الرصاص، لكنه يخرج منه حاداً أكثر، لذلك عليك أن تتعلم كيف تتحمل بعض الآلام لأنها سوف تجعل منك شخصاً أكثر فاعلية.
الصفة الثالثة: يتيح لك قلم الرصاص دائمًا استخدام ممحاة لمحو كل ما هو غير ملائم. عليك أن تفهم أن محو أي شيء كتبناه ليس بالضرورة خطأ، وأنه يمكن أن يكون شيئاً مهماً للبقاء على طريقنا المستقيم.
الصفة الرابعة: ما يهم حقاً في هذا القلم ليس هو الخشب أو مظهره الخارجي، بل معدنه الداخلي. لذلك كن حذراً دائماً في ما يطرأ في دواخلك النفسية.
أخيرًا الصفة الخامسة في قلم الرصاص أنه يترك دائمًا أثرًا، بالطريقة نفسها، إعلم أن كل ما تفعله في حياتك سيترك آثارًا، وعليك أن تحاول أن تكون على وعي ودراية جيدة بكل ما تفعله”.
فمن خلال هذه القصة نرى أن حياتنا كلها عبارة عن مجموعة من الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات التي نؤمن بها أو بما تسمى “الأيديولوجيا”، فهي تعبر عن ثقافة وأفكار الفرد أو الشعب أو الدولة أو مجموعة معينة، فلهذا علينا أن نستفيد من كل ما يدور في مجريات الحياة بشكل إيجابي، ونكون معول بناء لا معول هدم للوطن والمجتمع ولا نفرض أفكار دخيلة لا تمت إلى معتقداتنا الدينية، والسلوكية والأخلاقية، بل علينا أن نسخر كل ما تدور في مجريات حياتنا اليومية من مادة أو وسيلة ليكون مظهرنا الخارجي هو انعكاس جوهرنا الداخلي لنترك أثراً طيباً لنا في المجتمع، وعلينا أن نعي بما نريد أن نفعله قبل أن نقدم على فعله، وما له من تأثير على سمعتنا ومعتقداتنا وعقائدنا ومجتمعنا؛ فإنه انعكاس ومرآة لبنية ولحمة الأمة والوطن قبل أن يكون ذلك هو سلوك شخصي أو لمجموعة شاذة عن المألوف بسبب تأثرها بأفكار لا تمت لما نحن عليه من فضيلة وفكر نحن في غنى عنه.
إنَّ مما يؤسف له في شباب الأمة الاسلامية والعربية أنهم قد غُرَّ بهم في ترويج أفكار لا يقبلها عقل ولا منطق، وأغلقوا على أنفسهم الدائرة القهرية للإنصياع لما يُملى عليهم من أفكار وسلوكيات لا يقبلها عقل ولا منطق بتة، وليتهم استشاروا من هم أكثر نضجاً في استنباط ما هو مفيد وتجنب ما هو ممقوت وهدام لهم ولأسرتهم ومجتمعهم وأمتهم، وبلا شك هناك أسباباً جعلتهم ينجرون لمثل هذه الأفكار الدخيلة والمشبوهة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم وجود مراكز وحاضنات لسد وقت الفراغ لدى فئة الشباب، وقلة الوعي والوازع الديني، والفجوة والشرخ الكبير في تصدع العلاقة الأسرية، وانشغال أولياء الأمور بأمورهم الخاصة، وافتقادنا للمجالس العامة أو بما تسمى محلياً في مجتمعنا العُماني ب”السبلة” فقد كانت هي بمثابة المدرسة السلوكية وشغل وقت الفراغ لبعض الوقت، وكذلك هو الحال بالنسبة لدور المساجد ومدارس القرآن الكريم.
لهذا علينا أن نتعلم من قصة حياتنا كلها، ونستفيد من مجريات الأمور بحكمة، وأن نلتف جميعاً ونبدأ بتربية أبناءنا عقائدياً وسلوكياً وأخلاقياً حتى في الأمور المتعلقة بالعولمة والطفرة التكنولوجية المتعلقة باستخدام الأجهزة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وعلينا أن نزرع الوعي الكافي لهم وننبه بمخاطر تلك الوسائل، كما أن على الجهات المعنية بهذا الأمر في حكومتنا الرشيدة في سلطنة عمان والعالم العربي والإسلامي أن ينتبهوا لهذا الأمر، والبدأ في طرح مشاريع تشغل وقت الفراغ بما هو مفيد، واستغلال الوعاظ والمرشدين الدينين والاجتماعيين، والأندية الرياضية والثقافية لطرح برامج مفيدة للتوجيه، والبدأ في مشروع استقطاب المشاريع الاستثمارية الناجحة للتخفيف من عبأ مشكلة الباحثين عن عمل، وغيرها من الأمور الحاضنة للشباب التي تمكنهم من أن يكونوا معول بناء لا معول هدم. وبهذا علينا أن نعي أهمية استخدام الممحاة لمحو كل ما هو غير ملائم لنا ولمجتمعاتنا…