سميحة الحوسنية
أمطرت فصول الحزن في سماء قريتي (الواسط) المكلومة فواجع الفقد .. وأوجاعًا عانقت قلوب المحبين ..لم تكن تلك الصباحات هادئة، فضجيج الموج أيقظ ذكريات الأمس لطفولة كانت على شاطئه تسير.
فكيف للموت أن تسّرع خطواته مهرولة نحو (أم فاطمة).. زهرة جميلة ناظرة.. للخير محبة.. أمٌ حنون لثلاث زهرات.. لم يرتدن هذا العيد فساتينه المطرزة وتيجان الورد الناعمة.. ولم ترسم الأفراح في كفوفهن الصغيرات نقوش الحناء وأجمل تفاصيل العيد .. بل كنَّ يقفن في محطة الانتظار يترقبن عودة قطار الأمل.. وطقوس الوجع تمطر حزنًا.. تشق سواقي الكلم والدموع.
هي المزن الباسمة عندما يقبل غيثها القلوب، فتروي عطش الأمل لتنمو جذوره سعادات تغمر النفوس.
هكذا كانت (أم فاطمة) عندما علمت بأنها ستنجب طفلًا سيكون أخًا لبناتها لتكتمل بهجتها في الحياة ويسعد قلبها بعد طول الانتظار.. لم تكن تعلم بأنها آخر الأمنيات التي تحققت، فكانت سجدات الشكر ودموعها تغرق الكلمات لتتناثر على سجادتها في محراب الذاكرات الشاكرات.
(أم فاطمة) التي كان يختبئ الحزن في عباءتها السوداء، فقد طالتها أنياب (كورونا) السامة.. وبدأ الألم يغزو جسدها المثقل، فشعرت بأوجاع الموت وضجيج المحاربين في غرفة العناية المركزة.
لم تكن الساعات التي تمشي على عكازة الزمن تحمل أخبارًا سارّة لذلك الملاك التي ينام خلف زجاج العناية المركزة .. بعد أن أجهض الفرح في غرفة الولادة لتصعد روح الصغير – الذي لم يبصر النور – إلى ربه، بعد معركة مع الفيروس الذي تسلل إليه.. وتبقى (أم فاطمة) مكبلة بتلك الأجهزة تحارب من أجل البقاء..
جاء الحزن كعجوز شمطاء تتلمس جدار الظلام وتبكي في ليالٍ ممطرة لتدق الأبواب، والتي خلفها آلاف القلوب تنتظر الفرج والفرح بعودة (أم فاطمة) لأهلها وبناتها الصغيرات، ولكن خبر الموت كان كجلمود صخر في قساوته قد وقع كالصاعقة على أسرتها وصغيراتها ووالدتها (الحاجة آمنة) التي ما زالت جروح فقدها لابنتها الكبرى وزوجها سواقٍ من الحزن تجرف سعادتها .. هي الأم الصابرة المحتسبة.. فماذا بينها وبين الله لتبتلى وتحظى بوعد الله؟ و(بشرِّ الصابرين ..).. فهنيئًا لكِ محبة الله.
خيَّم الحزن حارتي (الواسط) التي توالت عليها رياح الفقد والموت والتي فقدت الكثير من أبنائها منذ بدء الجائحة.. ما زالت أمواج الحزن تتلاطم على شواطئ قلوبنا.
وقف القطار في المحطة لتجري صغيراتها بحزن عميق ليطبعن قبلات الوداع .. ولينثرن الورد على روحها الطاهرة .. عظّم الله أجرك حارتي (الواسط).. ورحمك الله يا (أم فاطمة) ولروحك السلام.