مفهوم التدليس الذي يعيب الإرادة
سيد ابراهيم محسن
التدليس من مفاهيم الفقه الغربي، ويجابه هذا المفهوم في الفقه الإسلامي مصطلح التغرير، والتدليس هو: اختلاق وقائع كاذبة أو استعمال وسائل احتيالية لإيقاع الشخص في غلط يدفعه لإبرام العقد، فالمدلس عليه يبرم العقد تأسيساً على الوهم الذي أثاره في ذهنه المدلس، فإرادته ليست إرادة حرة سليمة، وإنما معيبة بعيب الغلط الذي ثار في ذهنه بسبب تلك الوسائل الاحتيالية التي استخدمها المدلس.
وعلى ضوء ذلك فالتدليس والغلط تربطهما صلة وثيقة، فالمتعاقد المشوبة إرادته بعيب التدليس أو الغلط يقع في كلًا الحالتين بغلط يدفعه لإبرام العقد بناءً على وهم ثار في ذهنه، غير أن الفرق البّين بينهما هو أن الغلط يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه، بينما في التدليس لا يقع فيه من تلقاء نفسه، وإنما من المدلس أو أحد تابعيه، لذلك فالتدليس – في وجهة نظرنا القاصرة – ليس إلا صورة من صور الغلط.
وللتدليس عنصرين هما: العنصر المادي والعنصر المعنوي، أما العنصر المادي فيتجسد في استعمال وسائل احتيالية من قِبل المدلس، وأما العنصر المعنوي فيتبلور في أن تكون هناك جسامة في الوسائل الاحتيالية على النحو الذي تدفع المدلس عليه لإبرام العقد، وهذه الوسائل لا تعد ولا تحصى ولا يمكن حصرها، لكن لا يجب أن تصل للحد الذي يعدّ في القانون الجزائي نصباً، بل أن المعيار هو كفاية هذه الوسائل لدفع المدلس عليه لإبرام العقد، كذلك لا يشترط أن تخرج هذه الوسائل من مكامن النفس للعالم الخارجي، إذ من الممكن أن يكون مجرد الكذب أو كتمان الحقيقة تدليساً، وذلك عندما يصل الكذب أو الكتمان لمكانة البيانات والمعلومات الجوهرية التي لها تأثير هام في عملية التعاقد، وخير مثال على ذلك: قيام المؤمن له بإخفاء الحقائق عن شركة التأمين أو تزويدها ببيانات مخالفة للحقيقة.
بالإضافة لما تقدم فإن المتعاقد تحت وطأة التدليس حتى تكون إرادته معيبة، ويستطيع المطالبة بإبطال العقد، فلا بد من تحقق ثلاثة شروط، أولها: استعمال المدلس وسائل احتيالية تضلل الحقيقة على المدلس عليه، وثانيها: أن تكون هذه الوسائل الاحتيالية على حد من الجسامة بحيث تدفع المدلس عليه لإبرام العقد، بينما ثالثها: أن تصدر هذه الوسائل من المدلس أو نائبه أو أحد تابعيه أو أحد الوسطاء أو ممن أبرم العقد لصالحه، فإذا صدرت من غير هؤلاء، فليس للمدلس عليه المطالبة بإبطال العقد، إلا إذا كان المتعاقد الآخر على علم يقيني بحدوثها أو كان من السهل عليه أن يعلم.