الحب الصادق
ريحاب أبو زيد
الحبُ هوَ ذلكَ الشعورِ الذي لا يوجدُ لهُ وصفَ، هوَ أمانٌ وأملٌ ودفءٌ .
منذُ صغري كنتَ أعرفُ أنّ الحبَ فقطْ هوَ حبُ الأبوينِ والأهل، وعندما كبرتْ شاهدتْ قصصاً كثيرةً عنْ الحبِ عبرَ شاشةِ التلفازِ التي تميزَ أبطالها في تقمصِ تلكَ القصصِ، ولكنْ عندما نظرتُ حولي وتعمقتْ النظرَ وجدتْ للحبِ أنواعاً كثيرةً، فهناكَ حباً صادقاً، وحباً كاذباً، وحباً للمصلحةِ، والحبُ القهريُ، و . . .
أما أنا فعن الحبّ الحقيقيِ الصادقْ أتحدثُ، فالحبُ الصادقُ هوَ الذي يتسمُ بالتضحيةِ والتكاتفِ والاحتواءِ، فمنْ يملكُ قلباً صادقاً يحافظُ عليهِ ويسعى لإسعاد منْ يحبُ، فجميعُ الأطرافِ التي تشعرُ بالحبِ تسعى بكلِ طاقةٍ لإسعادِ قلوب منْ حولها، فهوَ طاقةٌ إيجابيةٌ ينثرُ إيجابيتهُ ليتغلغلَ في قلوبِ منْ يحيطُ بنا؛ لأنهُ ذلكَ النفسُ الذي لا نستطيعُ العيشُ بدونهِ، فهوَ يجددُ الطاقةَ الإيجابيةَ التي تجعلنا نرتبُ أوراقنا بطريقةٍ صحيحةٍ، ولوْ تطرقنا لتعريفِ الحبِ لنجدَ أنهُ يعرفُ في اللغةِ بأنهُ إحساسٌ عظيمٌ وقويٌ يشعرُ بهِ المرءُ اتجاهَ شخصٍ آخرَ ، وذلكَ يشعرهُ بالانجذابِ لهُ عاطفيا ويتأثرُ بهِ في كلِ شيءٍ، فيرغبُ في مشاركتهِ بجميعِ لحظاتِ حياتهِ والبقاءِ معهُ للأبدِ.
لو نظرنا للمرأةِ عندما يتوغلُ الحبُ قلبها نجدها تصنعُ منْ أجلِ الحفاظِ عليهِ المعجزاتُ ويعتبرُ أسلوبُ حياة تتبعه بشكلٍ أساسيٍ في حياتها؛ لأنهُ بالنسبةِ لها الهواءُ الذي تتنفسهُ حتى تستطيع تحمل، وتخطي ضغطِ الحياةِ، ويمنحها القوةَ في مواجهةِ تلكَ الضغوطاتِ والصعابِ والتحدياتِ التي تقابلها في طريقها فهيَ لا تخلو منْ عثراتِ الدربِ، أما الرجلُ فعندما يتملكُ الحبُ قلبهِ يصنعُ منْ خلالهِ المعجزاتُ أيضاً، ولكنْ ليسَ مثل المرأةِ وذلكَ لاختلافِ طبيعتهما.
الحبُ لغة جميلة لا يعرفها غيرَ القلوبِ النقيةِ المتصفةِ بالسلامِ النفسيِ والحسِ المرهفِ، ولا ننسى أنَ الحب هوَ تلكَ الحالة التي ترفعُ الشخصَ وتسمو بهِ إلى الأعلى دينياً، وفكرياً، وأخلاقياً، وإنسانياً، ومهنيا ؛ لأنهُ مجموعةٌ منْ المشاعرِ والسلوكياتِ المرتبطةِ بالرحمةِ والدفءِ والمودةِ والحمايةِ واحترامِ الآخرِ، والجميعُ يتفقُ على أنَ الحبَ لهُ دورٌ كبيرٌ في المحافظةِ على الصحةِ النفسيةِ والعقليةِ والبدنيةِ وأيضاً يلعبُ دوراً كبيراً في تطويرِ الذاتِ والتطورِ المهنيِ؛ لأنَ منْ يعيشُ الحبُ يشعرُ بالسعادةِ ويسعى إلى التقدمِ وكذلكَ يسعى لتطويرِ ونجاحِ شريكهِ ومنْ حولهِ فهذا الشعورُ الخفيُ المتدفقُ في القلبِ، ولا ننسى أنْ أصدقَ القلوبُ هيَ المتحابةُ في اللهِ.
الحبُ الصادقْ ليسَ لوناً واحداً بلْ لهُ ألواناً متعددةً تترجمُ بالتعاملِ الطيبِ والكلماتِ الطيبةِ، فهوَ منْ تغنى بهِ العديدُ منْ المطربينَ، وكتبَ بهِ وعنهُ الكثير منْ الشعراءِ؛ ولأنهُ منْ المشاعرِ النبيلةِ التي يتحلى بها الإنسانُ، فأفضلَ منْ استطاعَ التعبيرُ عنْ مشاعرِ الحبِ منْ خلالِ الحرفِ همْ الشعراءُ لأنَ حروفهمْ امتزجتْ بدقاتِ قلوبهمْ التي تنفستْ بالحبِ، فقالَ أحمدْ شوقي: ( وما الحبُ إلا طاعةً وتجاوز * وإنْ أكثروا أوصافهُ والمعاني ، وما هوَ إلا العينُ بالعينِ تلتقي * وإنْ نوعوا أسبابهُ والدواعي ).
لوْ تمعنا في أبياتِ بعضِ الشعراءِ الذينَ نسجوا حروفهمْ بالحبِ لوجدناها منْ أبرزِ الفنونِ الأدبيةِ التي أتقنها الشعراءُ على مرِ العصورِ لأنهمْ نسجوا حروفًا عنْ حبٍ، وعشق ترجمتْ ما في قلوبهمْ لذلكَ لمستْ القلوبُ بنسيجها، فقالَ شاعرُ الحبِ نزارْ قباني: (الحبُ مرسوم على جميعِ أوراقِ الشجرِ . الحبُ منقوشٌ على ريشِ العصافيرِ وحباتِ المطرِ لكنَ أيَ امرأةٍ في بلدي إذا أحبتْ رجلاً ترمى بخمسينَ حجر حينَ أنَ سقطتْ في الحبِ تغيرتْ) الحبَ ذلكَ الدربِ الذي نبحثُ فيهِ عنْ رفيقِ الدربِ، وعندما نجدهُ ننسى بهِ جميعُ الآلام والأحزانُ التي تعثرنا فيها أثناءَ خطواتِ الحياةِ، بلْ ننسى منْ خلالهِ الظلمُ أيضاً، فلو غرسنا بذرةَ الحبِ في قلوبِ أولادنا سوفَ نجني حياةٌ مليئةٌ بالأمنِ والأمانِ والسعادةِ.