المدرسة حياة…. التّهلولة … أسلوب تعلّم
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للإستشارات الإدارية والتربوية
أبدع آباؤنا في توصيل العلم وتبليغه للنّاشئة، وذلك ابتغاء لمرضاة الله وطمعاً في ثوابه، الّذي هو هدفهم الأسمى ومبتغاهم الأوّل السّاعين إلى نيله.
قد قاموا بذلك سعياً منهم لاتّصاف أبنائهم بتلك الصّفة فيصبح ذلك طريقاً تسلكها الأجيال قاطبة.
لا بقاءَ لأمّةٍ، شبابها خانع لا خير فيه، وإنّما بقاؤها مرهون بشباب مفعم بالطموح، و لا يعانق هذا الطّموح شواهق القمم إلاّ إذا اقترن بهدى الله -عزّ وجلّ – و سار على صراطه المستقيم.
إن اتّبعوا الهدى، دانت لهم الدّنيا وورثوا الأرض وعمروها، فإن الأرض يورثها الله لعباده الصالحين، إذ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء (105).. بالرّغم من انعدام الأدوات الّتي تساعدهم على ذلك، فإنّ هبة العقل الّتي وهبها الله لعباده كفيلة بأن تنتج ما لا يتوقّعه بشر، ولا يراه الغافلون. وما يمقته الجاهلون ويحاربه المسيطرون و المتنفّذون.
قد اعتمده آباؤنا أسلوباً علميّاً و هو أسلوبٌ يقوم على الممارسة لإكساب قيمةٍ للنّاشئة؛ ويتمثّل في التّسبيح بحمد الله وشكره في “التهلولة”-كما اصطُلح على تسميتها-. ممّا أكسبها ديمومة عبر الأجيال الّتي حافظت عليها و استمرّت في ممارستها لتبقى راسخة في وجدانهم ومتغلغلة في نفوسهم. فتراهم رافعين أصواتهم صادحين بالدّعاء و مهلّلين و مكبّرين.
يخرج الأطفال، ممّن هم في سنّ الحداثة إلى حدود سنّ البلوغ، يجوبون الطّرقات بعد صلاة العشاء، مسبّحين لله في أعظم أيّامه التي أقسم بها في كتابه، إذ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ الفجر (2). ” فيسمعهم الجميع رجالاً كانوا أو نساءً أو شيوخاً وعجائز، وتعلو أصواتهم بالتّسبيح بحمد ربّهم والتّعظيم لشأنه وتتردّد كلماتهم فيبلغ صداها الآفاق ويشقّ دوّيها سكون اللّيل. فتلج الأرواح وتستقرّ فيها وتشعرها بالسّكينة والإيمان، و تتنزل البركات وتعمّ الخيرات وهم يُنشدون:
سبحان الله تعوذنا من الشيطان سبحان الله تسمينا بالرّحمن
سبحان الله ربّ العرش و الأركان، سبحان الله توكلنا على الديّان
سبحان الله وكبّرنا عظيم الشان، سبحان الله وهو الملك المنّان
سبحان الله وعظّمنا ذا الإحسان، سبحان الله بطول الدّهر و الأزمان
سبحان الله لا لكم ربّ سواه، سبحان الله وهو لا عين تــــراه
سبحان الله منزّه عن الأشباه، سبحان الله وهو عال في علاه
سبحــــان الله أكرمنا بعطاه، سبحان الله وهدانـــــــــا بهداه
سبحان الله فحمدنا لرضاه، سبحــــان الله وشكرنا نعماه
سبحان الله كبروه بالتّهليل، سبحان الله وقدّسوه بالتّفضيل
سبحان الله وهو واحد جليل، سبحان الله وهو صاحب الجميل
سبحان الله وكفى به وكيل سبحان الله وهو الملك القدير
سبحان الله وهو العالم الخبير سبحان الله وهو الأول الكبير
سبحان الله وهو الآخر المجير سبحـــان الله الحمد لله القدير
سبحان الله وهو الملك الجبار سبحان الله وهو المهيمن الستار
سبحان الله و هو مقدّر الأقدار سبحــان الله و هو مسخّر البحار
سبحان الله وهو مفجّر الأنهار سبحان الله وهو خالق الأنوار
سبحان الله وهو الساتر الغفار سبحان الله وهو الصمد المعبود
سبحان الله وهو لا والد ولا مولود سبحان الله وهو ذو الكرم و الجود
إن لهذه الممارسة العظيمة والطّريقة الفعّالة في تعليم النّشء بالتسبيح والتّكبير لخالق الكون ومنشئه، معانٍ عديدة ومآرب كثيرة. منها: أنّ النشء يتعوّد التسبيح، فينغرس في ذواتهم ويسكن فيها، و ينشؤون على عقيدة سليمة لا يمكن أن تتلاشى، فمن شبّ على شيء شاب عليه.
بل ستبقى خالدة ما بقيت الحياة. تتداولها الأجيال، عبر الزّمان. ثم إنّ الكلمات الّتي تحتوي عليها “التّهلولة” تتضّمن صفات الله، فيتعرّف إليها النّشء بطريقة سلسة دون تكلّف.
يُقبل عليها إقبالاً لطيفاً ويسعى إليها سعياً دون تكلّف وعناء. فهذه الممارسة تعمل على تغيير عادات النّاس من ناحية السّلوك؛ وذلك بالاستفادة من أوقاتهم واستغلالها استغلالاً مفيداً بالتّسبيح والتّكبير، و تُسهم في إكسابهم معرفة جديدة بالاستفادة من التّسبيح والتّهليل والتّكبير وذكر الله – عزّ وجلّ – في أثناء ممارسة أعمالهم اليوميّة كالمشي والتّنقل من مكان إلى آخر. إذ ليس أجمل في عصرنا هذا من أن يدخل النّاس إلى عاداتهم، عادة ذكر الله والتّسبيح له فتزداد أيّامهم بركة وتُؤثّث حياتهم بالطّاعات، ويصبح ذلك مثاراً للنّفس وسبيلاً لها، فقد أعدّ الله للذّاكرين مغفرة وأجراً عظيما.
حيث قال سُبْحَانَهُ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب (35).
إنّ إظهار هذه الممارسات التّعليميّة الحميدة لَأمر محمود، وهو أمر في غاية الأهميّة. ورغم جهود المعلّمين والمعلّمات في مدارسهم لإبراز مثل هذه القيم العظيمة الّتي تعدّ أجيالاً يسيرون إلى الله حاملين رسالته ومتمسّكين بمنهجه، صالحين في مجتمعاتهم، وبانين لأوطانهم، فإنّ تلك الجهود تحتاج إلى التّأطير والدّعم لتصبح في قالب متكامل، فيزداد نفعها ويثمر غراسها ويحصد زرعها.