2024
Adsense
مقالات صحفية

حروف مبعثرة في غرفة العناية المركزة (٦)

صرخات ندم

سميحة الحوسنية

ذهبت (ليلى) إلى قاعة الأفراح تلبية لدعوة صديقتها (ماجدة) زميلتها في العمل، وقد اكتضت القاعة بالمهنئين فما إن دخلت حتى أتت زميلاتها للسلام عليها ولالتقاط بعض الصور التذكارية في هذه المناسبة السعيدة .. فارتسمت ابتسامتها تزين ملامح وجهها الطفولي الجميل، وأخذت تلوح بيديها السلام على معارفها، وقد لمحت عند تلك الزاوية العمة (عائشة) برففة ابنتها (ندى) التي وصلت منذ أيام من الخارج، فكانت سعيدة لرؤية الجميع.

جلست (ليلى) وهي تنظر إلى حركة الشموع وتشم الورود العطرية التى تزين الطاولة، وما إن بدأت مراسم الزفاف حتى أصبحت (ليلى) شاردة الذهن في عالم آخر تتخيل كيف ستبدو حفلة زفافها.. فستانها الأبيض .. وتفاصيل دخولها برفقة زوجها، وأطواق الورد والخزامى تزين المكان، وقد استحضرت صورها وهي طفلة ليشاهد الحضور مراحل طفولتها إلى أن أصبحت عروسة جميلة تمشي على سجاد أحمر، وأسياج الورد تحيط بها، وصغيرات العائلة ينثرون الورد عليها وهي تمشي كطاؤوس زاهي الألوان تتجه نحوها كل الأنظار.

شعرت (ليلى) بأنامل ناعمة تعزف على كتفيها.. إنها(ندى) وقد تغيرت ملامحها؛ فقصة شعرها الجديدة أعطتها شكلًا جديدًا غير الذي اعتدنا عليه سابقًا. على كل حال كانت جميلة تشبه ممثلات السينما، تبادلتا القبلات والعناق والعتاب من تقصير التواصل بينهما. سعدت (ليلى) بتلك اللحظات، فالصبابة إلى زميلات الدراسة كثير ما كانت تطرق أبواب الحنين في ذاكرتها، فها هي (ندى) تعطر الأجواء بعطر (المسك) الذي تعشقه كثيرًا، فتناولا العشاء معًا على مائدة واحدة، فأخبرت (ندى) (ليلى) بأنها لم تواصل الحجر المنزلي واستطاعت أن تتخلص من تلك الساعة التي تكبل معصمها لتحضر زفاف صديقتها (بدور)، فكانت حريصة على مشاركتها ليلة العمر.

انتهت الحفلة وعادت (ليلى) إلى المنزل لتنشر الفيروس لعائلتها الصغيرة، فأمها تعاني من مرض السكر وقد تجاوزت الستين عامًا لتصاب والدتها(آمنه) وأختها الكبرى (سعاد) التي تحمل في أحشائها جنينها وهي في شهرها السابع، وكان جسدها نحيلًا، لم يتركها الفيروس تقرُّ عيناها برؤية مولودها الصغير فقد تسلل إليها وإليه لترقد في المشفى، وتفقد طفلها الذى توفي بعد ساعتين من ولادته.

توفي الطفل الذي طرزت أمه قماش مهده بأجمل عبارات الحب والشوق لرؤيته، وكثيرًا ما كانت تؤرجح (سريره المتحرك) وعيناها تدمعان شوقًا لتقبيله وضمه. خرجت (سعاد) من المشفى وهي تتجرع ألم الفقد في منزلها الحزين.

ويخيم الحزن في أروقة البيت الصغير وكانت نتيجة الفحص صادمة، فالجميع مصاب بالفيروس، لم تستطع الحاجة (آمنة) مقاومة هجمات الفيروس القوية فقد كان ينهشها كذئب جائع وتم نقلها إلى العناية المركزة.

مضت الأيام والحاجة (آمنة) لاتزال طريحة فراش المشفى تحيط بها الأجهزة وقد غطى ملامحها جهاز الأكسجين.

وفي لحظات صامتة توقف جهاز الأمل عن العمل، فغادرت روح الحاجة (آمنة) دار الفناء .. فكم كانت تدعو الله أن يزول المرض، وقد نذرت أن تذهب إلى العمرة لتشكر الله على نعمة البقاء وزوال الوباء..
شعرت (ليلى) بالندم لحضورها الحفل واختلاطها بالكثير من العائلات، فقد فقدت أغلى ما لديها لتكتب بدموع حارقة .. أذابت الحاجز الزجاجي (آه .. من فقد الأحبة وجروح أيام لا تلتئم).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights