الأربعاء: 8 مايو 2024م - العدد رقم 2132
مقالات صحفية

تَيَّارٌ جَامِحٌ

د. رضيه بنت سليمان الحبسية
استاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى
RadhiyaAlhabsi@gmail.com

إنّ الفكر الذي يتم التَّرْوِيج له عبر الحركة النسوية كما أسماها مُنْشِؤوها، تَيّار جَامِح عَابر للحدود، لا يُمكن رَدُّه أو إيقافه، مُشْتطّ في تحمُّسه.
وكما هو في حال كثير من الحركات، مع انتشارها وامتداد رقعة تأثيرها، مكانيًّا أو زمانيًّا، يُصِيبها من التغيير والتّطور في الهدف والغاية، بل والطريقة في تحقيق تلك الغايات. وإن كانت في كثير منها ذات مرامٍ ومساعٍ تَحْمِلُ فِكْرًا، وعلى اختلاف النَّوايا، تُعالِج قضايا مجتمعية أو إنسانية على وجه الخصوص، لكن الفهم الخاطئ أو التطبيق المُتَعَجْرِف، يقودها إلى وجهة غير الوجهة المنشودة.

إنّ الصراعات الناشئة عن اختلاف القناعات، ومُحركاتها تنعكس على المجتمع سلبًا أو إيجابًا، فتتولد منها الحركات العالمية.
وهنا تظهر الحاجة الماسّة إلى قيادة وإدارة حكيمة، لتلك التَّيَّارات التي من شأنها أن تهز كيان الأمم، وتُحْدِث خللًا بين أركانها وأعمدتها، أو تُغَيّر مسار أنشطتها وعلاقاتها، بالاتجاه الذي يُوَرِّثُ الأجيال مِيراثًا يُفْقِدهم هويتهم، وطبيعتهم الإنسانية، مما يجعلهم يتخبطون بِفِكْرِ الشَّطَطِ والغُلُوِّ، المُجَرَّد من العقل والمنطق، خاضِعًا للعاطفة، مُتجاهلًا للحقائق؛ نتيجة الانجراف خلف الشِّعارات، وانتصارًا للمصالح الشخصية لأفراد أو جماعات وهمية، أو افتراضية، ليس لها قوانين تُنَظّمها، وقد لا يُعرف لها موقع، أو شرعية تضبطها.

وحيث أنّ لكل مجتمع فلسفته، المُستمدة من دينه، ثقافته، وتقاليده المتوارثة عبر الأزمنة.
والتي ارتضاها لتكون أسلوباً ومنهج حياة، وتعامل بين منسوبيه ومؤسساته؛ لضمان حياة صحية، ورفاهية آمنة بين أفراده وقاطنيه.
إلا أنّ محاولة بعض الشبكات العصرية لنسج فِكْرٍ دَخِيلٍ على المجتمعات، حتماً سيُحدث حَرَاكًا، وثورةً تتباين فيها الآراء بين مؤيد ومعارض، والبقاء للمنظومة الأقوى، القادرة على صون وحماية مكتسابتها، والمستفيدين منها.
وعليه تكون المسؤولية مُضاعفة على القطاعات المجتمعية كافة؛ في التطبيق الواعي للسياسات الوطنية التي يقرها المجتمع، حكومةً ومؤسسات.

وكما أنّ التَّأثر والتَّأثير سِمة التَّفاعل الإنساني، وبقدر قوة المصدر وأدواته، تكون نتيجة ذلك التَّأثير المتبادل.
لذا فإنّ كثيراً من المراقبين يؤكدون على أهمية الغرس، والتنشئة منذ الصغر، لجوانب الشخصية المتكاملة، مع مراعاة خصائص الصّنْف وطبيعته البشرية، حيث تكون البُنْيَة التّكوينية من المَتانة، قادرة على مواجهة التَّيَّارات الخارجة عن الفطرة الإنسانية، أو الثقافة المجتمعية السائدة، وبالتالي يكون الحصاد الذي من شأنه الحفاظ على توازن المجتمع بمكوناته المادية، ومبادئه الأخلاقية.

وفي خِضَمّ المُنَاشدة بالأدوار المجتمعية المتكاملة؛ لحصانة أفراد المجتمع، فالمناشدة أيضاً باستمرارية العمل والمتابعة عبر مراحل حياة الفرد، بدءًا بدور مؤسسات ما قبل المدرسة، فالتعليم المدرسي، ثم الجامعات، بل وفي بيئات العمل أخيرًا، بأنظمتها التشريعية، وجهودها التنويرية أيضًا، يُساندها في ذلك أدوار المؤسسات غير الرسمية: كالمسجد، الأندية، ومؤسسات الإعلام المرئية، المقروءة، والمسموعة، وفق منظومة قيَمية تُشَكّل سياسة مجتمع أكبر، تُلْزِم الأطراف جميعها العمل في إطارها، دون حِياد.

في الخِتَام: إنْ لم تتدارك المجتمعات خطورة تمرير أفكار دَخِيلة، مُغَلَّفَة بأَغْلِفَةِ الحُقُوقِيّة المُزَيَّفَة، من شأنها أنْ تَتْرُك أثرًا يُشَكِّل ملامح المجتمع المستقبلي، وسيُسَجّل التاريخ فلسفته المغايرة لِما كان عليه عُصُورًا، ببصمة العولمة، مُتجاوزًا المنطقة الجغرافية والحِقْبة الزمنية، فتَطْمِسُ سماته وخصائصه التي تُمَيّزه عن غيره من المجتمعات، والتي تُعَدُّ ثوابتًا، ظَلّ مُحَافِظًا عليها أزمنة متعاقبة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights