بوصلة السعادة الحقيقية
إلهام عوض عبدالله الشهراني
المتأمل في محطات الحياة يتيقن أن كل إنسان يتمنى السعادة الحقيقية، وقد يختلف الأفراد في أمنياتهم وسبل الوصول إليها ولكن يتفقون في طلب السعادة.
البعض يعيش في أوهام، ونظرة خاطئة أن السعادة الحقيقية تكمن في جمع المال، أو كثرة الأبناء، أو التجارة الرابحة، أو منصب مرموق.
وهذه قصة نذكرها لهم من واقع الحياة وهي أن رجلا من الأثرياء بلغ عمره تسعين عاما قضاها في السفر بين بلدان العالم بطائرته الخاصة، و جزيرته “جنة الدنيا” بمناظرها الخلابةوأجوائها الجميلة، فلما أضاء نور البصيرة والحق في دروب حياته واعتنق الإسلام قال كلمة جميلة: “لقد عشت طيلة حياتي لم أشعر يوما بالسعادة الحقيقية والاستقرار النفسي، إلا عندما انصرفت نفسي عن حب الدنيا وشهواتها، وأقبلت إلى طريق الآخرة”.
المتأمل ينظر أن الرجل من أثرياء العالم ويستطيع أن يملك كل ما يخطر في الأذهان، لكن لا يستطيع أن يملك لذة سكون روحانية الإيمان بالقلب التي لا يشعر بها إلا من أتى الله بقلب سليم، ونحو هذا المنحنى يقول الشاعر :
“لست أرى السعادة جمع مال…. لكن التقي هو السعيد”.
وفي ذات السياق: من يتيقن أن السعادة بالمنصب فهو يقضي حياته بالمحافظة عليه فيقع في بلاء الهموم، وندامة وحسرة في الآخرة إذا فرط بالحقوق الواجبة عليه، كما قال ابن القيم :(تحصل الهموم والغموم عندما يتعلق القلب بالدنيا والحرص عليها، يجلب التقصير والغفلة عن عمل الطاعات).
ومن موانع تحقق السعادة:
( إذ لا اختلاف ثمة موانع تمنع السعادة ويحرم أصحابها من نعيم الدارين)
1_ الكفر لقوله تعالى : (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الأنعام: ١٢٥
2_ عمل المعاصي والجرائم:
قال أحد الصالحين: “أن أهل المعاصي والجرائم لا يدركون فداحة الخطيئة فهم من أشقى العباد في الدنيا والآخرة “
3_ الحسد والغيرة والحقد: صفات تحجب السعادة وانشراح الصدور يقول فيكتور بو شيخ : إن الحسد والغيرة والحقد أقطاب ثلاثة لشيء واحد، وإنها الآفات تنتج سموما تضر بصحة الجسد وتقضي على جانب كبير من سكينة النفس والعمل الصالح.
ومن أسباب السعادة :
1_ الإيمان بالله والعمل الصالح.
قال أحد الصالحين :” إذا أردت أن أسمع الله قرأت القرآن، وإذا أردت الحديث مع الله لجأت إلى الدعاء.
2_ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعلاه بالعمل والقول باللسان وأدناه بالقلب، قال احد الصالحين في هذا السياق: “يسقط عن الفرد المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عندما يرى الناس اتبعوا أهواءهم وضيعوا أمانتهم حتى لا يقع عليه ضرر الغاوين الضالين عن طريق الحق فالله عليم خبير”.
3_ الإيمان بالقدر خيره وشره كلاهما من الله فيجب الإيمان بالأقدار الربانية والمقسوم للعباد، فالإنسان بدار الفناء لا بد أن ينتابه شيء من الهموم والمصائب الدنيوية فإن لم يؤمن بالقضاء والقدر جزع، لذلك يجب على الفرد المسلم النظر لمن هم دونه في أمور الدنيا، حتى يشعر بفضل الله عليه، والنظر لمن فوقه في أمور الآخرة حتى يدرك تقصيره وتفريطه في العبادة.
4_ قصر الأمل وعدم تعلق القلب بالدنيا والاستعداد ليوم الرحيل
قال أحد الصالحين : “بلغ مني قصر الأمل أنني إذا رفعت اللقمة إلى فمي لا أدري أأتمكن من أكلها أم لا.”
5- اليقين التام أن سعادة المؤمن في الآخرة كما قال عليه الصلاة والسلام: ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)
6_ الإكثار من الذكر وتدبر القرآن لقوله تعالى: ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد: آية 28.
6_ مصاحبة الأتقياء لا أحد ينكر تأثيرهم فالمرء على دين خليله، فإن كنت تصاحب منافقا في دينه ودنياه تتأثر به فعليك اختيار من تصاحب. قال احد الحكماء :
” لمعرفة دين وأخلاق المرء أنظر من يخالل.
7_ رحمة من أساء إليك :
قال السعدي:” عندما يملأ قلب المرء شفقة لمن أساء إليه، خشية أن يجمعهم الله يوم القيامة ليحكم بينهم، ساق الله له أمران أحدهما الشعور بالسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة :(يصيب من أساء إليه بقدر مافعلت يداه بما يوجع القلب ويخذل النفس)
8_ الأزواج الصالحون نعيم دائم بالدارين من دون شك، تعاملهم في إطار الحسنى والعشرة الطيبة والعطاء بالمعروف حسب الشريعة الإسلامية.
آخر سطر:
يقول السعدي:” أن الحياة قصيرة فلا تقصرها بالهم والأكدار “