ليست كما تعتقد
أحمد بن موسى البلوشي
نلاحظ كثيرا من خلال ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وجود فئة من الرّواد الذين يطرحون آراءهم، ويعرضون أفكارهم ومقترحاتهم للجهات الحكومية، والخاصّة، ويطالبون بتنفيذها، وقد تكون هذه الطريقة من أفضل الطرق في دول العالم المتقدم، وتسمى بالمشاركة المجتمعية في اتّخاذ القرار؛ بل تعتبر طريقة تستفيد منها الحكومات من خلال تجميع الكثير من الأفكار، والمقترحات حول قضية أو موضع ما بشرط أن تكون هذه الاقتراحات، والأفكار المطروحة تخدم المجتمع، ومنطقية بحيث يستوعبها العقل البشري، وعقلانية تتناسب مع الظروف والإمكانيات المتاحة.
ولكن وللأسف من خلال متابعتي للكثير مما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فإنّ أغلب الحلول المطروحة لا يستوعبها العقل البشري، ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وهنا يجب أن نعي شيئا مهما بأنّ القرارات لا تتخذ وأنت جالس في مقهى وتشرب كوبا من القهوة، أو أنّكَ تشاهد مباراة كرة القدم وتفتح جهازك وتطرح أفكار وحلول بكل هذه السهولة. فالطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات سواء كانت على مستوى الأسرة، أو المجتمع، أو الدولة، أو أي مؤسسة ليست عشوائية، بل تحتاج لعمل معين ودراسة وتفكير والكثير من المناقشات، حتى على مستوى الأسرة فإذا أراد الشخص أن يتخذ قراراً يخصّ أسرته فعليه بالتفكير والدراسة المسبقة للموضوع ومن ثم اتّخاذ ما هو مناسب له ولأسرته، أما التصرفات العشوائية وغير المدروسة فلا تؤدي إلى اتخاذ قرار سليم.
قال لي أحد الأخوة: مررت بمشكلة في فترة ما؛ ففكرت في طرح قضيتي في أحد برامج التواصل الاجتماعي؛ لعلي أجد من يفكر أفضل مني، ويطرح لي حلولا تناسبني وتناسب قضيتي، وفعلا عرضتها في أحد المواقع؛ فانهالت عليّ الأفكار والقرارات التي يجب أن أتخذها لحل هذه الإشكالية من كل حدبٍ وصوب، وبعد اطّلاعي على كلّ ما طُرح أيقنت بأنّ البعض لا يستخدم عقله للتفكير وكأنّه بشر يعيش خارج نطاق الكرة الأرضية.
فما هكذا تؤخذ الأمور أيّها الأعزاء، ولست مجبرا على طرح آرائك، وأفكارك إذا لم يكن لديك دراية كافية حول المشكلة، ولا أن تطالب بعض الجهات أن تطبق الأفكار التي تطرحها وأنت لا تمتلك الدراية الكافية حول الموضوع.
لذلك فإنّ موضوع اتخاذ القرارات، وطرح الحلول ليست كما نعتقد، وليست بالسهولة التي نتصورها، فهي من القضايا الأساسية والمهمة، كما أنّها عملية معقدة؛ لأنها مرتبطة بحياتنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه، سواء كانت هذه القرارات صادرة من الدولة أو من مؤسسة معينة أو أي شخص مسؤول، ويجب أن نعرف شيئاً في غاية الأهمية، وهو أنّ القرارات التي تطرح لن تتناسب مع جميع أفراد المجتمع، وهذا أمر صحي، والأصل أن تتناسب مع الغالبية العظمى، فلا بدّ من وجود متأثرين منها، وأقرب مثال في وقتنا الحالي هو المطالبة بالإغلاق التام بسبب جائحة كورونا، والسؤال المطروح هل الإغلاق سيؤثر سلباً على البعض؟ والإجابة نعم، وهذا أمر طبيعي، فلكل قرار إيجابيات وسلبيات، وأناس مستفيدة وأناس متأثرة، ولكن الأصل في القرار الناجح هو أن يكون عدد المستفيدين كثر وأن تكون الإيجابيات كثيرة.