عصب الحياة القانونية
ظافر بن عبدالله الحارثي
إن الأعمال القانونية بصفة عامة تتم في الغالب بواسطة المذكرات القانونية، بدءً من المقدمات المنطقية وانتهاءً بآخر خطوة من خطوات سلسلة الاجراءات القانونية، لذى كان من الواجب أن أستعرض مدى أهمية هذه المذكرات وما تتضمنه من مشتملات أو عناصر، فضلًا عن المنهج المتبع في استخدامها بإختلاف مناسباتها وأشكالها وصورها، والوقائع التي تتطلب استخدامها.
لعل تشكل الدعوى القضائية أبرز صورة من صور العمل القانوني والذي يستهله المحامي (الوكيل عن المدعي) بمذكرة قانونية تسمى (بصحيفة دعوى)، كما أن بعد ذلك يتم الدفاع من قبل الطرف الآخر وهو (المدعي عليه) بواسطة مذكرة أخرى تسمى (بمذكرة رد أو مذكرة دفاع)، وفي حال استئناف الحكم بطبيعة الحال إن كانت من الأحكام التي يجوز الطعن عليها فيشترط أن يقدم بصدد هذا الطعن مذكرة تسمى(بمذكرة طعن)، بل حتى وإن كان بعض المرافعات شفوية من حيث الأصل إلا أن ذلك لا يعني الاستغناء عن هذه المذكرات القانونية؛ وعلاوة على ما سبق، هذه المذكرات القانونية كما أشرت هي الأداة الأكثر إدراجاً عند مزاولة الأعمال القانونية، فعلى سبيل المثال:( الموظف الحكومي عندما يتظلم على قرار إداري تعسفي يستعين بالمذكرات، وعندما يلجأ الفرد إلى السلطات المختصة لأخذ حقه فتكتب شكواه في مذكرة)، وغيرها من الصور التي لا حصر لها والتي قد تتمثل في شكل طلب أو تفسير أو استشارة أو إعلان أو إخطار أو تدخل أو عقد…
لهذه المذكرات القانونية بيانات أساسية تتطلبها جميع الأعمال القانونية بصفة عامة تتمثل في( التاريخ، الأطراف، الجهة، الموضوع، الطلبات، التوقيع)، وإضافة على ذلك قد تضاف إلى تلك البيانات عناصر أخرى حسبما تتطلبه المعطيات والوقائع وطبيعة العمل، فعلى سبيل المثال بعض من هذه المذكرات لا تقبل إلا بعد تقديم رسوم تحددها الجهة، كما أن هناك بعض المذكرات لا تقبل إذا ما لم يتم تقديمها من قبل ذي صفة، أو صاحب مصلحة، بل وفي المواعيد المحددة والمقررة قانونا؛ إلا أن هناك بعض القواعد التي لا نتصور خلو المذكرات القانونية في المجمل منها( كقواعد الإملاء، والترقيم، وقواعد اللغة، فضلاً عن تلك الاقتباسات والمستندات (كأحكام القضاء، ونصوص القانون، وآراء الفقهاء وغيرها …) التي تعضد من قوة المذكرة.
تكمن أهمية هذه المذكرات في أنها أداة من أدوات القانون، والتي بالرغم من أنها في الأصل تتم بإحتراف بواسطة مختص، إلا أنه لا يقتصر استخدامها على المتخصصين (القانونيين) وحسب، بل أيضًا كل من يعمل في سلطات الدولة الثلاثة، والجهات الحكومية، والجهات الخاصة وغيرها من القطاعات، فضلًا عن أنها تلامس كل فرد في المجتمع ما إن أراد المضي في إجراء قانوني أو الإقدام على تصرف قانوني يترتب آثار قانونية؛ ومستقبلاً حتى إن تطلب الأمر استحداث نظام جديداً يواكب المتغيرات ويلائم المعطيات، فسوف يتم تطوير هذه الأداة بحيث أن تكون على سبيل المثال إلكترونية، ولكن ما لا أتوقعه هو اختفائها عن ساحة القانون، لذى إن كان هناك أملًا في إدخال مادة القانون ضمن مواد التعليم المدرسي أو الجامعي فلابد أن تتضمن فصلًا يضفي الممارسة العملية على الجانب النظري.
هذه المقالة لا تختلف في أهدافها كثيرًا عن سابقاتها من المقالات التي حاولت جاهدًا من خلالها على مدى أعوام غرس الثقافة القانونية في المجتمع، مستهدفًا غير المتخصصين، وذلك بواسطة لغةٍ قريبة ليست أكاديمية متخصصة حتى تصل للجميع؛ إلا أنه في المقابل تختلف كالعادة بكونها تتناول موضوعاً جديداً ومهماً يواكب متطلبات المرحلة، ويتماشى مع ما يقتضيه المشهد القانوني، فأخذ الحق حرفة يجب أن نجيدها جميعًا، كما يجب أن نتأهب لكيفية وزمن استخدامها حتى لا تضيع حقوقنا لسبب إجرائي، وحتى لا نتخاذل أو نتقاعس عن طلب حقوقنا بسبب الجهل.