2024
Adsense
مقالات صحفية

من ملك أستأثر

شهاب احمد عبد

وهذا العنوان يفصح عن طبيعة الإنسان إفصاحًا بليغًا

الإنسان لا يحب أن يظلم ولكن الظلم يأتي على يديه من حيث لا يدري و سبب ذلك أن الظلم والعدل أمران نسبيان فلا يوجد هناك شيٌ اسمه العدل معلقاً في الفراغ كما كان يظن إفلاطون وغيره من الفلاسفة الأقدمين.

فإذا جئنا بشخص تقي وفاضل وسلمنا بيده مقاليد الحكم ثم رضخنا له واتفقنا على حكمه، فإننا سنراه بعد مدة من زمن قد أصبح مستبد يشتري ما طاب له ويبني القصور من أموال الأمة والناس وهو يظن بفعله هذا إنه عادل. هنالك قصة تقول: شخص طلب منه أن يعلّم قط أن يحمل الشموع على مائدة الطعام فجاء أحد الضيوف وهو يحمل في جيبه فأر ثم أطلقه على المائدة وسرعان ما ذهب القط وراء الفأر ورمى الشموع على المائدة لتحرقها وتحرق من كان يأكل منها.

إن الذي يريد أن يغير طبيعة الإنسان بواسطة الموعظة والكلام المجرد لا يختلف عن الشخص الذي حاول تعليم القط على حمل الشموع فالناس يستمعون له ويتأدبون أمامه ويسيرون بين يديه بوقار كأنهم أنبياء.

كتب فيلسوف العرب أبو نصر الفارابي كتابًا سماه: ( أهل المدينة الفاضلة)، ولو قرأنا هذا الكتاب لأدركنا به سر الخطأ التي سيطرت على أذهان القدماء ويذكر الفارابي إن الصفات التي يجب أن تتوفر في الحاكم الفطانة والتعليم وكبرياء النفس ومحبًا للكرمة.

يظن الفارابي إن إصلاح المجتمع أمر سهل الغاية فهو متوقف على اختيار رئيس أو الحاكم وفق الصفات التي ذكرها في كتابه وعند ذلك يكون باستطاعة الناس أن يستريحوا وتشملهم أواصر المحبة والتآخي والسعادة.

كما قيل قديماً أن أعرابي نظر إلى مكتبة عامرة بالكتب القديمة فقال إني أعرف جميع ما في هذا الكتب كلها حيث تقول أيها الإنسان كن خيّراً، وقد أصاب هذا الأعرابي في قوله، فكتب القدماء كلها تنصح الإنسان بأن يأخذ الخير ويترك الشر.
أما المجتمع الحديث قد اكتشف طريقة لا بأس بها في اختيار الرئيس يطلق عليها (نظام التصويت) الذي يتم عن طريق الاقتراع الذي توضع الصناديق المقفلة التي تشرف عليها الأحزاب ويدخل كل ناخب وراء ستار ليختار اسم المرشح و يرمي في الصندوق ونحن رغم ذلك نجد أجواء الانتخابات مشحونة وتتأزم المواقف و يحاول كل مرشح أن يتخذ وسيلة ممكنة للوصول إلى غايتهم المنشودة.

وهذه هي طبيعة الإنسان في كل زمان ومكان، وقد تختلف الدول أو الشعوب بعضها عن بعض في مدى الفوضى التي تحدث أثناء الانتخابات، ولكن جميع الشعوب تجري على طبيعة واحدة من حيث الأساس وهي التنازع والتنافس والمغالاة وادعاء كل فريق منهم إنه صاحب الحق في الحكم.

ولقد أدركنا إن التنازع بين الناس أمر طبيعي لا يمكن إزالته بواسطة الموعظة أو الكلام الرنان ولذلك تجد حكام يدعون في أنظمتهم السياسية والاجتماعية إلى الاعتراف به ويفسحون له مجالاً يفصح عن نفسه ضمن حدود مشروعة.

ويتضح من خلال هذا إن النظام الديمقراطي الذي يسود في البلدان الراقية و الديموقراطية في الواقع ما هو إلا نظام يقوم في أساسه على التنازع، فهو يفسح المجال للناس أن يدخلوا في الأحزاب المتنازعة، ولكنها تضع أمامهم في نفس الوقت قوانين وقواعد واضحة يتنازعون تبعًا لها ثم تنتظر لترى أي حزب سوف يفوز بأكثر الأصوات فيُقَلد زمام الحكم وإذا فاز أحد الأحزاب تصبح الأحزاب آخر معارضة الحكم ومحاولة تشويه صورة الحكم بالفساد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights